الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبَر مِن قصص الأنبياء (31)

وللأسف فإن كثيرًا مِن الإسرائيليات، والتي فيها انتقاص للأنبياء، قد تسربت إلى كتب التفسير والتاريخ

عِبَر مِن قصص الأنبياء (31)
أسامة شحادة
الثلاثاء ١٦ أبريل ٢٠١٩ - ١٨:١٥ م
939

عِبَر مِن قصص الأنبياء (31)

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أ- أيوب -عليه الصلاة والسلام-:

تُشكِّل قصة أيوب -عليه السلام- نموذجًا واضحًا للتفاوت بيْن نظرة تقدير الأنبياء واحترامهم في القرآن الكريم مقارنةً مع ما ورد في التوراة المحرفة مِن انتقاص وازدراء لكثيرٍ مِن الأنبياء، حتى أنبياء بني إسرائيل أنفسهم! فقد صور مؤلفو "سفر أيوب" شخصية أيوب -عليه السلام- بأنه رجل يائس محبط، كاره للحياة، معترض على ربه، ويكلّمه بطريقة غير لائقة! وهذا كله باطل لا يليق بالأنبياء، بينما القرآن الكريم يقدِّم شخصية أيوب -عليه السلام- بكونه مِن المحسنين كبقية إخوانه مِن الأنبياء، قال -تعالى-: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الأنعام:84)، ونفى القرآن الكريم أكاذيب اليهود عن جزع أيوب -عليه السلام-، فقال -سبحانه-: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص:44).

وللأسف فإن كثيرًا مِن الإسرائيليات، والتي فيها انتقاص للأنبياء، قد تسربت إلى كتب التفسير والتاريخ، وأصبحت جزءًا مِن الثقافة الشعبية التي ترغب بسماع التفاصيل الغريبة ولو مسّت جناب الأنبياء؛ بسبب شيوع الجهل، وضعف توقير الأنبياء في القلوب التي هجرت القرآن الكريم تدبرًا وفهمًا.

القرآن الكريم لا يفرد مساحة كبيرة لتفاصيل قصة أيوب -عليه السلام-، ويكتفي بذكر معالم عامة مِن قصة ابتلائه وصبره ولجوئه لله -عز وجل-، واستجابة الله -عز وجل- له وشفائه وإكرامه.

ومِن العِبر البارزة في قصة أيوب -عليه السلام-: اللفتة الربانية في إعانته -عليه الصلاة والسلام- بالبر بيمينه: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ) (ص:44)، ولا يهمنا ولا ينفعنا معرفة شخصية الذي حلف أيوب -عليه الصلاة والسلام- أن يضربه! ولماذا حلف أن يضربه! فقد تجاوز القرآن الكريم عن ذلك، وإن اهتم بذكر المَخرج للبر باليمين؛ لأن الأنبياء لا يليق بهم نقض الأيمان، ولكن أيضًا يقدِّم لنا القرآن الكريم دائرة واسعة للحلول المحقة التي تحق المصلحة كاملة، وهذا الحل القرآني يحقق تعظيم القسم بالله -عز وجل- والبر به مِن جهة.

ويحقق مِن جهة أخرى: مصلحة الحفاظ على الود والعلاقة، فلا تتضرر بهذا الضرب، فقد أمره ربه أن يضرب بضغثٍ، وهو الحشيش أو الفروع الصغيرة للشجرة بما لا يضر ولا يؤذي.

ومما نستفيده مِن هذه القصة: البحث عن الحلول والمخارج (خارج الصندوق) -كما يقولون في علم الإدارة-، وفي قصص الأنبياء أمثلة كثيرة لحل المشاكل بطرقٍ إبداعية غير مألوفة.

ولعل مِن أبرز هذه الأمثلة: الحل النبوي العبقري لأزمة وضع الحجر الأسود في مكانه حين أعادت قريش بناء الكعبة واختلفت حول مَن يضع الحجر الأسود في مكانه، حتى حلّها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن بسط رداءه ووضع عليه الحجر، ورفعه جميع ممثلي قريش معًا، ثم وضعه النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده في مكانه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً