الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

القيادة والتربية

نحن نحتاج إلى قائد يربي في جميع المجالات، ولا نحتاج إلى مديرٍ يصنِّف الناس، ويعاقبهم على أخطائهم

القيادة والتربية
أحمد رشوان
الأحد ٢٨ يوليو ٢٠١٩ - ٢٠:٤١ م
755

القيادة والتربية

كتبه/ أحمد رشوان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلا شك أننا في أزمة قيادة على كل المستويات، ففي أعمالنا الدنيوية نجد المستشفيات والإدارات والمؤسسات تحتاج إلى قائدٍ ينهض بها، ولا نقول: "مديرًا"؛ فشتان بين الاثنين.

وكذلك في طريقنا الدعوي إلى الله، نحتاج إلى قائد مربي، وليس قائدًا مديرًا وفقط، ولننظر إلى توجيه الله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات:55)، والتذكير بالله مِن أنجح أساليب التربية الدعوية.

ولنضرب على ذلك مثالًا قد يراه بعضنا، وهو الكسل الدعوي الذي أصاب كثيرًا منا، فهناك مسئول قد يتعامل مع مَن أصابه الكسل الدعوي بنظرية القيادة المجردة، فيتجه إلى طريقين: إما الاستبدال مباشرة أو اللوم والتوبيخ على ترك الأعمال (وهو نوع مِن العقاب). وهناك مسئول مربٍّ يتجه إلى التذكير بالله، والنصح والتحفيز.

والأول قد ينجح في سد الفراغ الناتج عن الكسل، ولكنه لن يصل أبدًا لنتيجة الثاني، فكم نحتاج نحن -ورب الكعبة- إلى قائد يربي، وليكن قدوتنا في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما دخل عليه أبو ذر الغفاري ويحكي قائلًا: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) (رواه مسلم)، فانظر إلى تعامل النبي مع آفةٍ ظهرت، وهي طلب التقدم ممَن لا يصلح لهذه الوظيفة بالرغم مِن ثناء النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي ذر -رضي الله عنه- في موطن آخر: (مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني)، والشاهد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكتفِ برفض طلب مرؤوس، ولكنه وجهه للسبب الذي يجعله يرضى ويعمل في مجالات أخرى.

وكم رأينا مِن قائدٍ أضاع طاقات كثيرة تحت يده؛ لأنه تعامل معها بنظرية: هل تصلح أم لا؟ ولم يتعامل معها بنظرية التربية، وهي لا تعني الاستخدام دائمًا، فقد لا أستخدم شخصًا في عملٍ، ولكن لابد مِن توجيهه لما يجعله يؤدي في مجالٍ آخر.

وانظر إلى تربية النبي في قيادته لأنس بن مالك حيث قال -رضي الله عنه-: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: (يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟) قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ، يَا رَسُولَ اللهِ. (رواه مسلم).

فهذه تربية عجيبة بابتسامة جميلةٍ مِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعلتْ أنسًا -رضي الله عنه- يمتثل في الحال، وقارن بين قائدٍ يقول لمَن تحته: أنتم فشلة ولا تصلحون لشيء! وآخر يقول لهم: أنا ظني بكم أنكم أحسن الناس، فلم أنتظر منكم هذا! ستجد الأول سيفعل ما أمره به قائده، ولكن بإحباط وضيق، وإن أتم فلن يزيد عن التمام أبدًا، والثاني سيكون حريصًا على عدم تكرار الخطأ، وسيزيد في عمله.

وقارن بين شيخ يقول لتلميذه: أنت لم تفعل كذا، ولم تفعل كذا، ولم تفعل كذا، ولوم وتوبيخ... وآخر يذكِّر تلميذه بالله، ويحفزه بالجنة والعبودية، والأجر والثواب.

فنحن نحتاج إلى قائد يربي في جميع المجالات، ولا نحتاج إلى مديرٍ يصنِّف الناس، ويعاقبهم على أخطائهم، نريد مَن يصلح الأخطاء وينصح المخطئ ويعلمه عدم الخطأ في المستقبل، لا مَن يخرج الأخطاء ويسجلها ويعاقب عليها. فاللهم ارزقنا قادة يربون مَن تحتهم على ما تحبه وترضاه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة