الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ)

اعلم أن الله -تبارك وتعالى- كما استجاب لأنبيائه، يستجيب لأصفيائه

(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ)
خالد آل رحيم
الأربعاء ١٤ أغسطس ٢٠١٩ - ١٧:١٩ م
856

(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ)

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فهذه جملة عظيمة مِن الله -تعالى- لأصفيائه، ولكل مَن سار على ضربهم في خِضَم هذه الفتن؛ سواءً كانت في الدِّين أو البدن أو الولد، أو في أي أمرٍ مِن أمور الدنيا؛ يرشدنا المولى -سبحانه وتعالى- للسبيل والطريق للخروج مِن تلك الأزمات ومِن هذه الفتن، ويبيِّن -تعالى- هذا الطريق في كتابه الكريم بجملة عظيمة وآية كريمة في كتابة العزيز في قوله -تعالى-: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) (الأنبياء:76)، فعلى كل مسلم أن يتبع هذا الطريق وهذا السبيل.

بيَّن المولى -تبارك وتعالى- أن الأنبياء كلما أصابتهم فتنة في الدين أو الولد أو المال، لجأوا إلى الله -عز وجل-؛ فدائمًا ما تجد هذه الجملة في نهاية دعائهم مِن المولى -عز وجل- بقوله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ).

فإذا أصيب الإنسان في فتنة في دينة فليتمثل بنوح -عليه السلام-: قال -تعالى-: (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ . وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) (الأنبياء:76-77)، هكذا عندما نادى نوح -عليه السلام- ربه -تبارك وتعالى-، فأخبره -جل وعلا- بأنه قد استجيب له، (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ)، سرعة متناهية من المولى -تبارك وتعالى-.

كذلك بيَّن لنا المولى -تبارك وتعالى- أنه إذا أصيب الإنسان في بدنه؛ فليكن مثل أيوب -عليه السلام-: قال -تعالى-: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) كان الجواب مِن الله -تعالى-: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:84).

وكذلك إذا غضب الإنسان وإذا واجه فتنًا في دعوته، وواجه عوائق، وواجه أزمات: يتمثل بيونس -عليه السلام- الذي ذهب مغاضبًا وترك قومة؛ لأنهم لم يؤمنوا به، قال -تعالى-: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين) فكان الجواب: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء:88).

وإذا أصيب الإنسان في نفسه أو أصيب في شيء يحبه، لكنه لم يُكتب له: فليتمثل بزكريا -عليه السلام- عندما قال: (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) قال -تعالى- مستجيبًا له: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء:90).

والملاحَظ في هذا الأمر: أن كل هؤلاء الأنبياء عندما دعوا الله، كانوا يدعونه من واقع فتن وبلايا أصابتهم، ويدعونه في الشدة، فكان الجواب مِن الله حاضرًا (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ)، قالها لنوح، وليونس، ولزكريا -عليهم السلام-.

وأعظم مَن لجأ إلى ربه في الملمات هو محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كثير في سيرته؛ مِن أعظم المواقف موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أُحد لما أصيب في نفسه وفي أصحابه، وكان يومًا عصيبًا عليه -صلى الله عليه وسلم- وعلى المسلمين، روي أنه بعد أن انتهت المعركة جمع أصحابه ثم قال لهم: "استووا لأثني على ربي"، فلجأ إلى الله -عز وجل-؛ لأنه يعلم -صلى الله عليه وسلم- أنه سيستجيب له، وقد فعل هذا قبل ذلك يوم بدر، عندما كان يدعو المولى -عز وجل-: (اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ) (رواه مسلم)، حتى سقط رداؤه مِن على كتفيه،  فجاءه أبو بكر الصديق فقال: "يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ"؛ وهكذا لابد أن يكون الإنسان، أن يخاطب ربه في كل الملِّمات، أن يخاطبه في الرخاء وأن يخاطبه في الشدة.

واعلم أن الله -تبارك وتعالى- كما استجاب لأنبيائه، يستجيب لأصفيائه، يستجيب لأتباع أنبيائه، هذا وعد الله -تعالى- القائل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60)، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186).

فالاستجابة هنا مقترنة بالإجابة، فمَن استجاب لله أجابه الله؛ لأنه بيده الكون، وبيده الأمر، وإذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.

وصلى اللهم على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وتسليمًا كثيرًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة