الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ)... منهج رباني للدعوة -2

(وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ)... منهج رباني للدعوة -2
خالد آل رحيم
الأحد ٢٢ ديسمبر ٢٠١٩ - ٢٠:٥٦ م
597

(وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ)... منهج رباني للدعوة -2

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فروى ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي قال: "حُدثت أن عتبة بن ربيعة -وكان سيدًا- قال يومًا وهو جالس في نادي قريش ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه؟ فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها.  قال: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قل يا أبا الوليد أسمع. قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك  طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني.

قال: أفعل. قَالَ: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ (حم . تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ  بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ . وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) (فصلت:1-5).

ثم مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه فقال: بعضهم لبعض نحلف بالله، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولًا، والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم" (السيرة النبوية لابن هشام).

ولك أن تتأمل كيف قابل النبي -صلى الله عليه وسلم- ما قاله عتبه وعدم التفاته -صلى الله عليه وسلم- لكل المغريات من الملك والمال والنساء، بل ولم يعلق عليها بكلمة؛ لأن هدفه أعظم من ذلك وأسمى، ورحمته  صلي الله عليه وسلم وسماعه من عتبة ما قال حتى لو عرَّض به كما في رواية أخري: كان يقول له: "أأنت خير أم قصي بن كلاب؟ أأنت خير أم هاشم؟ أأنت خير أم عبد المطلب؟!"، ومع ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- يستمع إليه، ولم يغضب ولم يعترضه ولو بكلمة، ولم يدع له النبي -صلى الله عليه وسلم- فرصة لأخذه لمعارك جانبية لا طائل من ورائها، فصاحب الحق يُريد إيصال الحق للناس، ويتضح هذا في في صمته ورده  -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "أفرغت يا أبا الوليد؟!".

 ثم قيامه بدعوته من خلال القرآن، وتحديدًا بدايات سورة فصلت؛ لأنها معنية بمخاطبة العرب في الجزيرة.

 قال ابن عاشور -رحمه الله-: "والمراد: آيات القرآن واضحة الأغراض لا تلتبس إلا على مكابر، ومِن كمال تفصيله أنه كان بلغة كثيرة المعاني، واسعة الأفنان، فصيحة الألفاظ، فكانت سليمة من الالتباس، فكان وصفه بأنه عربي من مكملات الأخبار عنه بالتفصيل" (انتهى).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة