الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فيروس كورونا وسنة الابتلاء

بالتوبة النصوح والإنابة والرجوع إلى الله، ومداومة الاستغفار، يعافينا الله ويحفظنا من كل كرب وبلاء

فيروس كورونا وسنة الابتلاء
حسن عمر
الاثنين ٣٠ مارس ٢٠٢٠ - ٠٩:٠٢ ص
630

فيروس كورونا وسنة الابتلاء

كتبه/ حسن عمر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

الابتلاء سنة الله -تعالى- في خلقه:

قد استحكم البلاء وعجز الأطباء، وأعلن إفلاسهم الحكماء؛ فأما المؤمنون فسيلجأون إلى رب الأرض والسماء، وسيجأرون إلى مَن خلق الداء والدواء، ويتضرعون لمَن بيده وحده الشفاء.

انتهت حلول الأرض، والأمر متروك لرب السماء.

نظرة المؤمن للابتلاء: تختلف نظرة المؤمن عن غيره "حيث يكون تأكيد الصلة بالله تعالى، وتجديد الإيمان والرجوع إلى الله -تعالى- تعبدًا وصدقًا، وإخلاصًا وإنابةً، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:43-45).

قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "يقول -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) مِن الأمم السالفين، والقرون المتقدمين، فكذبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا.

َأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ) أي: بالفقر والمرض والآفات، والمصائب، رحمة منا بهم.

(لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ): إلينا، ويلجأون عند الشدة إلينا.

(فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) أي: استحجرت فلا تلين للحق.

(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ): فظنوا أن ما هم عليه دين الحق، فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان، ولعب بعقولهم الشيطان.

(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ): من الدنيا ولذاتها وغفلاتها.

(حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) أي: آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم.

(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي: اصطلموا بالعذاب، وتقطعت بهم الأسباب.

(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ): على ما قضاه وقدَّره من هلاك المكذبين، فإن بذلك، تتبين آياته، وإكرامه لأوليائه، وإهانته لأعدائه، وصدق ما جاءت به المرسلون.

وقال الله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ . ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (الأعراف:94-95).

قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ) يدعوهم إلى عبادة اللّه، وينهاهم عن ما هم فيه من الشر، فلم ينقادوا له: إلا ابتلاهم الله (بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ) أي: بالفقر والمرض وأنواع البلايا (لَعَلَّهُمْ) إذا أصابتهم، أخضعت نفوسهم فتضرعوا إلى الله واستكانوا للحق (ثُمَّ) إذا لم يفد فيهم، واستمر استكبارهم، وازداد طغيانهم (بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) فَأدَرَّ عليهم الأرزاق، وعافى أبدانهم، ورفع عنهم البلاء (حَتَّى عَفَوْا) أي: كثروا، وكثرت أرزاقهم وانبسطوا في نعمة اللّه وفضله، ونسوا ما مرَّ عليهم من البلاء؛ أخذناهم بالعذاب فجأة وهم في غفلة لا يشعرون، ولا يظنون أن الله مهلكهم، وأن هذا استدراج لهم .

هذا وقد أمرنا بالأخذ بالأسباب لدفع البلاء.

الأسباب الشرعية:

قال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏) (‏الطلاق‏:2- 3‏).

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: مَرَّ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّم- بِمُجَذَّمِينَ، فَقَالَ: (أمَا كَانَ هَؤُلَاءِ يَسْأَلُونَ الْعَافِيَةَ؟) (رواه الطبراني في الدعاء، وصححه الألباني).

وعن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) (متفق عليه).

فأبشروا بعافية وأمان، ونصر وبركات، إذا آمنا بالله وتبنا واتقينا الله.

قال الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96).

قال السعدي -رحمه الله-: " لما ذكر -تعالى- أن المكذبين للرسل يبتلون بالضراء موعظة وإنذارًا، وبالسراء استدراجًا ومكرًا؛ ذكر أن أهل القرى لو آمنوا بقلوبهم إيمانًا صادقًا، صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى اللّه -تعالى- ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرم اللّه؛ لفتح عليهم بركات السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارًا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب، ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا (فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) بالعقوبات والبلايا ونزع البركات، وكثرة الآفات، وهي بعض جزاء أعمالهم، وإلا فلو آخذهم بجميع ما كسبوا، ما ترك عليها من دابة" (تفسر السعدي).

وقال -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41).

قال السعدي -رحمه الله-: "أي: استعلن الفساد في البر والبحر، أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك؛ وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها.

هذه المذكورة (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجًا من جزاء أعمالهم في الدنيا (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم، فسبحان مَن أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته؛ وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.

بالتوبة النصوح والإنابة والرجوع إلى الله، ومداومة الاستغفار، يعافينا الله ويحفظنا من كل كرب وبلاء .

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "قال الطيبي: أمروا باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة".

- فالفزع إلى الصلاة عند وقوع البلاء من سنة الأنبياء والأولياء الأصفياء.

الدعاء والافتقار إلى الله:

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَسَيِّئِ الْأَسْقَامِ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

اعلم أن هذا البلاء بقدر الله -تعالى- وقدرته؛ لأن الله -تعالى- خالق كل شيء، ولا يكون شيء إلا بإرادته، قال -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ) (الحديد:22)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (رواه مسلم)، وقال -تعالى-: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (الفرقان:2).  

فعلينا بالأسباب الشرعية السابق ذكرها، والأخذ بالأسباب المادية، وهي توجيهات وزارة الصحة، مع الاعتماد على رب الأسباب والمسببات.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة