الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (52) الجوانب السلبية في العملية التعليمية (4-6)

المعلم الشريف هو الضمانة الحقيقية لنجاح العملية التعليمية

الفساد (52) الجوانب السلبية في العملية التعليمية (4-6)
علاء بكر
الأربعاء ٠٦ مايو ٢٠٢٠ - ٠٣:٥٦ ص
560

الفساد (52) الجوانب السلبية في العملية التعليمية (4-6)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فأيًّا ما كانت مستويات الإنفاق على التعليم ومنهجية قياسها، فإن تنمية الثروة البشرية التي تقع في المقام الأول على كاهل المؤسسات التعليمية قضية لا تقتصر في قياسها على حسابات التكلفة، وإنما تقدر كذلك بالناتج النهائي المتمثل في إعداد المواطن الذي ينشده المجتمع من الخريجين في مختلف مراحل التعليم، وهذا يعني ضمن ما يعنيه كم ونوع التعليم الذي يتاح لكل مواطن.

ومِن المؤشرات في هذه الدلالة: متوسط عدد سنوات التعليم للإنسان المصري والذي لا يزيد في المتوسط عن خمس سنوات ونصف في تعليم مؤسسي منظم، وذلك على أحسن التقديرات، وهذا عدد متدن من السنوات حيث يبلغ الحد القياسي الأقصى لمتوسط سنوات التعليم في الدول المتقدمة عشر سنوات تعليمية.

إن ذلك المؤشر انعكاس للقصور في معدلات القيد والاستيعاب الكمي في مختلف مراحل التعليم، فحسب بيانات عام 2005 - 2006م فمعدل القيد الإجمالي في مرحلة رياض الأطفال (من 4 - 6 سنوات) من مجمل هذه الفئة من مجموع السكان لا يتعدى 18 %، وفي التعليم الأساسي الإلزامي في حلقته الابتدائية يبلغ معدل القيد الصافي للفئة العمرية من 6 - 11 سنة من السكان حوالي 96 %، أي بعدم التحاق 4% من هذه الفئة من الأطفال في المدرسة الابتدائية أو تسربوا منها، وهذه النسبة تقدر بحوالي 4800 طفلًا، وفي الحلقة الثانية في التعليم الإعدادي (من 12 إلى 15 سنة) يصل المعدل إلى 96 %، وهذا يعني أن 5و1 مليون طفل لا يواصلون تعليمهم بعد المرحلة الابتدائية.

وفي التعليم الثانوي بقسميه العامي والفني يتدنى معدل القيد للفئة العمرية من (15 - 18) إلى حوالي 78 %، وهذا يعني أن حوالي مليون من الشباب في هذا السن يتوقف عند المرحلة الإعدادية، وتصل النسبة إلى حوالي 30 % من الفئة العمرية (18 - 22 سنة) من الملتحقين بالجامعات والمعاهد العليا والمعاهد الفنية المتوسطة، وهذه نسبة متدنية أيضًا إذا ما قورنت بالدول المتقدمة أو ببعض دول جنوب وشرق آسيا.

وهذه الإلمامة السريعة تبرز مدى القصور الكمي في حركة المنظومة التعليمية في استيعابها الكمي للأطفال والشباب الذين ينبغي أن يتمتعوا بحق التعليم، ولعلنا نتذكر أيضًا أن نسبة الأمية تقدر بحوالي 29 % من الكبار (10 سنوات فما فوق).

ويسوقنا هذا إلى ذكر ما أنفقته الدولة من الميزانية العامة السنوية على التعليم في عام2005 م - 2006م كمثال، والذي يقدر بحوالي 28 مليار جنيه وهو أعلى رقم منذ بداية القرن، مع أنه يعتبر من أدنى الأنصبة المخصصة للتعليم بالنسبة للإنفاق الحكومي السنوي العام وهي نسبة 14 % من الإنفاق العام، ويصل نصيب التعليم العالي من حوالي 30 % من الميزانية العامة المخصصة لقطاع التعليم، أو حوالي 9و3 % من الإنفاق العام، وتلك النسبة تعتبر بمقارنتها مع الدول المتقدمة وكثير من الدول النامية وحتى بعض الدول العربية نسبة متدنية حيث يبلغ متوسط نسبة تلك الدول ما بين (20 - 22)% من ميزانيتها السنوية، ويترتب على ذلك الإنفاق المتواضع في مصر أن تكون تكلفة التعليم بالنسبة للطالب في المرحلة الابتدائية 282 جنيها والإعدادية 405 جنيها والثانوية 1489 جنيهًا، والعالي حوالي 3500 - 5000 جنيهًا بسعر السوق، ومن حجم تلك المخصصات يتبين تدني نصيب الطالب من الإنفاق الحكومي (راجع في ذلك: "كم ينفق المصريون على التعليم؟"، ص: 13 -14).

المدارس الحكومية:

لا شك أن المدرسة هي الأرضية التي تبنى عليها العملية التعليمية كلها وهي أشبه بمصنع لكن لإنتاج رجال المستقبل وعلمائه، وهي المكان الذي يلتقي فيه طالب العلم مع معلمه، لدراسة المناهج المقررة في المواد المختلفة، وفيها يكون تقدير مستوى هؤلاء الطلاب في نهاية كل مرحلة دراسية وقبل الانتقال لغيرها.

والمدرسة بنية تعليمية لها مواصفاتها الخاصة بها والتي يدرسها العاملون في الهيئات الهندسية والمقاولات، من حيث اتساع فصولها وحسن إضاءتها الطبيعية نهارًا، وجودة تهويتها، ومناسبة عدد طلاب كل فصل لمساحته وإضاءته وتهويته، وتوفر معامل مدرسية مجهزة، ودورات مياه نظيفة تتناسب أعدادها مع أعداد التلاميذ والطلاب بعيدًا عن الازدحام عليها في أوقات الراحة القصيرة أثناء اليوم الدراسي، إلى جانب فناء واسع وملعب أو أكثر للأنشطة الرياضية، وورشة أو أكثر للتدريب على الصناعات والحرف المختلفة، بالإضافة إلى وجود مكتبة مناسبة متاحة للجميع، وبالتالي كذلك لا بد من تحديد فترة زمنية لليوم المدرسي كافية لاستيعاب تدريس المواد المقررة وممارسة الأنشطة الرياضية والحرفية والترفيهية.

وللأسف فمع ضعف وقلة الاعتمادات المالية للتعليم في مصر، ومع تزايد أعداد الطلاب كل عام رأينا عبر العقود الأخيرة العجب العجاب في بناء المدارس الحكومية وإدارتها، فلعدم القدرة على بناء الأعداد المطلوبة من المدارس كان يتم بناء ما أمكن من المدارس الخالية من الكثير من متطلباتها فلا فناء واسع ولا ملاعب ولا معامل في كثير منها، والفصول صغيرة لا تتوافر فيها الإضاءة أو التهوية الطبيعية، وهي مع ذلك مزدحمة بالطلاب ومكدسة.

وفوق ذلك فالمدارس محرومة من الاهتمام الواجب بمنشآتها ومرافقها وصيانتها، وغير مؤمنة بالقدر الكافي الذي يحافظ عليها، وقد شهدت فترة أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات وجود ثلاث فترات دراسية في الكثير من المدارس، فكانت المدرسة تعمل بمثابة ثلاث مدارس في اليوم الواحد مقسمة ما بين الساعة السابعة والنصف صباحًا إلى الساعة الخامسة مساءً، وهي بالطبع فترات دراسية خالية من حصص الألعاب والأنشطة المختلفة ولا يتعدى زمن الحصة الواحدة فيها النصف ساعة، بل تم إلغاء السنة السادسة من المرحلة الابتدائية في فترة من الفترات، فكانت المرحلة الابتدائية خمس سنوات فقط.

وقد تم تصحيح الكثير من هذه الأوضاع بعد الطفرة المؤقتة التي حدثت في إعقاب زلزال 1992م فألغيت الفترة الثالثة في الكثير من المدارس، وأعيدت السنة السادسة للمرحلة الابتدائية، ولكن ما زالت الإمكانيات متواضعة عامة والفصول مكدسة، بما يؤثر قطعًا على الأداء وبالتالي على العملية التعليمية.

وينبغي علينا -ونحن في الألفية الثالثة- وبلا تردد أو مماطلة تحسين وتصحيح أوضاع مدارسنا للقيام برسالتها على أحسن وجه، واللجوء ولو مؤقتا لحلول جديدة غير تقليدية، تعيد للمدرسة دورها، ومنها:

(1- تضافر المجتمع لبناء مدارس فورا لخفض الكثافات واعتماد حلول فاعلة وغير نمطية.

2- إطلاق مبادرة (استضيفونا شكرًا) وذلك عن طريق شغل مدارس أو فصول مؤقتة داخل المؤسسات المحيطة في حدود سنوات قليلة محددة بمقرات الأحياء أو مراكز الشباب أو دور الثقافة أو الجمعيات أو إسهامات رجال الأعمال في المربعات السكنية ذات الكثافة العالية في المدارس، ويمكن اعتماد بدائل للمدارس الابتدائية ورياض الأطفال بمرونة طبقا للوضع المجتمعي للمربع السكني الواحد، واعتماد الحلول اللامركزية المدروسة (راجع "التعليم والمجتمع: استعادة الثقة"، ص 20 بتصرفٍ).

المعامل المدرسية:

للمعامل دورها المهم في توضيح وبيان وتيسير الأنشطة الكيمائية والفيزيائية من خلال عرض علمي مشوق يساعد الطلاب على معايشة العلم، وتعطي الطلاب مهارات علمية وخبرة محببة مبكرة، فتنمي فيهم الحماس والقدرة على البحث، وللأسف ففي كثير من مدارسنا لا توجد هذه المعامل، وإن وجدت فهي خالية من الأنشطة العلمية والعملية، ولا يجد الطلاب فيها الفرصة لمشاهدة تجارب أو ممارستها، ولعل ذلك من أسباب ما نشكو منه من عزوف طلاب المرحلة الثانوية عن التعليم العلمي وهجرتهم الجماعية من التعليم العلمي إلى التعليم الأدبي، ولتصحيح هذا الوضع:

1- (من الضروري والهام وضع آلية يتم من خلالها تبني أساتذة الكليات العلمية وطلابها في جامعات العاصمة والأقاليم، وكذلك المراكز البحثية والعلمية تأثيث المعامل المدرسية والأنشطة المصاحبة لمواد الدراسة العلمية، وبث ثقافة البحث العلمي المبسط في المدارس والمساهمة والإشراف والرعاية المستمرة لتلك المعامل.

2- تسهيل مهمة المعلمين في تدريس المادة العلمية من خلال تدريبهم عن طريق هذه المراكز العلمي، وكذلك اكتشاف ورعاية الطلاب المتميزين وتطوير الأداء واستدامة تطويره من خلال شراكة ممنهجة مع وزارة التربية والتعليم) (المصدر السابق، ص 24 بتصرف).

الأنشطة الثقافية:

ممارسة الأنشطة الطلابية هو نهج تربوي يساهم في تكوين الشخصية الاجتماعية للطالب، ومساعدته على بناء القيم لديه واكتشاف مهاراته من خلال تعليم محبب يشكل وجدانه ويعزز انتمائه لمجتمعه، والشكل التفاعلي المبتكر للأنشطة يجدد لدى الطالب حماسه للتعامل من خلال جماعة الفصل والمدرسة.

ومن المهم تخصيص جزء من اليوم لأنشطة دورية للدفعة الواحدة في تشارك مع بعضهم البعض مع معلمي الأنشطة العامة.

ومن باب المشاركة المجتمعية مع المدرسة فيمكن مشاركة بيوت وقصور الثقافة للمدارس في نفس المربع السكني الواحد داخل الحي والمنطقة التعليمية في آلية تمكن المتخصصين من المشاركة -ولو من خلال بروتوكول- يضع آليات التعاون بين وزارتي التربية والتعليم والثقافة لتخصيص وقت أسبوعي أثناء الدراسة للأنشطة الثقافية، وكذلك مشاركة الطلاب في أنشطة هذه البيوت والقصور في الإجازة الصيفية والجهات الثقافية المتخصصة (راجع المصدر السابق، ص 22).

الأنشطة الرياضية:

في الوقت الذي تعاني فيه كثير من المدارس الحكومية من انعدام تقريبي للأنشطة الرياضية، وتحرم من اكتشاف ورعاية الموهوبين رياضيا، إما بسبب العجز في معلمي التربية الرياضية أو لعدم توافر الملاعب، بما يقمع طاقات الطلاب ويقلل من ارتباط الطلاب بمدرستهم في الوقت الذي تعاني منه كثير من مراكز الشباب من انعدام تقريبي للمترددين من الشباب طوال العام إلا من بعض الأوقات في الإجازة الصيفية، على الرغم من القدرات المؤسسية لهذه المراكز وملائمتها للأنشطة الرياضية، وتقع المراكز بجوار المدارس وفي نفس الحي والمنطقة التعليمية وكلاهما محروم من الأنشطة الرياضية، مع إمكانية ممارسة هذه الأنشطة حال التعاون والتنسيق بين الجهتين وتعويض النقص في أحدهما من الآخر، وهي صورة من مشاركة المجتمع للمدرسة في القيام بدورها.

فـ(يمكن القول أن الأنشطة الرياضية ضئيلة الحجم للطلاب في المدارس يمكن أن تستفيد من الإمكانيات الأكثر رحابة في مراكز الشباب المجاورة للمدارس طوال العام الدراسي ومنح فرصة للطلاب لممارسة الأنشطة الرياضية من خلال مدرستهم التي انتقلت بهم إلى مركز الشباب المجاور لممارسة الرياضة والعودة لإشباع هواياتهم واكتشاف مهاراتهم ورعاية مواهبهم) أو على الأقل إقامة المسابقات الرياضية المدرسية لطلبة المدرسة فيها (على أن يتم ذلك من خلال تضافر وزارتي التربية والتعليم والشباب والرياضة من خلال بروتوكول يضع آليات تسمح للطلاب بممارسة الأنشطة الرياضية بمصاحبة المختصين من الطرفين في إطار تربوي في كل منطقة تعليمية يشملها حي سكني) (المصدر السابق، ص 23 بتصرف).

التغذية المدرسية:

بينت الدراسات أن المدارس في المناطق الفقيرة التي يتم فيها تقديم وجبة غذائية يومية للتلميذ تقل فيها نسب الغياب وبالتالي التسرب من الدراسة، ويمكن تبني بعض المؤسسات المجتمعية داخل بعض المدارس ما يشبه (بنك الطعام المصري)، وهو برنامج يقوم من خلاله بعض أمهات التلاميذ بإعداد الوجبات لأبنائهم في أوقات الراحة في منتصف اليوم الدراسي بما يشكل وجبة مشبعة للتلميذ وخاصة في المرحلة الابتدائية ولا سيما في المناطق الفقيرة، ويقوم بالإشراف على طهي وتقديم الوجبة مشرفون صحيون من خلال مشاركة المجتمع المدني مع المؤسسة التعليمية لتحقيق خدمة تعليمية أفضل (المصدر السابق، ص 25 بتصرفٍ).

الاعتناء التام الشامل بالمعلمين:

المعلم الشريف هو الضمانة الحقيقية لنجاح العملية التعليمية، ذلك المعلم الذي هو في غالب الأحيان قد اعتمد طوال حياته المهنية على ما درسه في سنوات الجامعة دون إعداد مهني تربوي كافٍ أو تدريب ممنهج منظم فانخفض مستواه الفني وارتبكت معه البوصلة التربوية للمجتمع تجاه تربية وتعليم أبنائه في المدارس العامة.

وإذا كنا نتحدث دائمًا عن ضرورة رفع المستوى المادي للمعلم -الذي هو في حقيقة الأمر يقع ضمن السياق للفئات العامة المتدنية في البلاد- دون الدخول في أسباب ذلك التدني، فإن رفع المستوى المادي للمعلم -وهو ضرورة- لا بد من أن يواكبه أيضًا رفع كفاءته المهنية للقيام بدوره التربوي.

وإذا كان الميدان التعليمي يزخر بالمعلمين الشرفاء والأكفاء فإنه لا يزخر بالمعلمين المحترفين، والمعلم المحترف هو الذي تلقى تدريبًا محترفًا فاستطاع أن يتنقل بلياقة فنية في أدوار تربوية تشكل دوره العام في كونه معلم في مؤسسة تؤثر نتائجها على كل مؤسسات الدولة وكيانها؛ فلعل الدور المهم للتدريب بالتعليم هو تحقيق تنمية مهنية للمعلم يمكنه من القيام بمهامه التربوية في خدمة العملية التعليمية وتحقيق أهدافها في التربية والتنشئة والتعليم.

ويعاني التدريب عندنا واقعًا من ركود سواء في المادة التدريبية أو المحتوى الخاص بها وكذلك ركود في السعة العلمية والفكرية، وفي القدرة على إحداث التطوير من جانب القائمين على التدريب الذين يتم اختيارهم دون عناية في غالب الأحيان. فأصبح التدريب شكليًّا لا يحقق أهدافه المطلوبة إلا من بعض الأنشطة التدريبية لأكاديمية المعلم المهنية؛ فضلًا عن تقليدية الموضوعات التدريبية، واقتصارها على الموضوعات الخاصة بالمادة التدريسية، فأصبح التكرار والهامشية سمات كثير من موضوعات التدريب لتصبح شكلًا من أشكال إهدار الوقت والمال.

لعل من أهم ما يجب التأكيد عليه وإجراؤه على الفور هو تدريب المعلم على المهارات الفنية والتربوية الضرورية لتحقيق أهداف عمله التربوي الإنساني والتعليمي، مثل: إدارة الفصل، وخاصة الفصول عالية الكثافة، وكيفية بناء المهارات لدى الطلاب مثل العمل الجماعي وإدارة التفكير الابتكاري، وإدارة الحوار، وإدارة العلاقات التربوية بشكل عام.

ويجب أن يقوم بالتدريب أساتذة جامعيون ومتخصصون من المراكز العلمية والتربوية، عن طريق التواصل مع هذه المراكز وإعلان بروتوكولات تحدد الأطر العامة والمستدامة للتدريب الفاعل وإمداد المعلم ببطاقات علمية للقياس الذاتي يستطيع من خلالها قياس تنمية علاقاته المهنية والتربوية والعلمي بينه وبين طلابه ومحيطه العلمي، مع تخصيص يوم للمعلم أسبوعي -وليكن يوم السبت- يقوم فيه بالأنشطة الإثرائية والمكملة لعمله مثل التدريب والإعداد ومقابلة أولياء الأمور وخلافه استعدادًا لأنشطة العمل طوال الأسبوع، وتشجيع مبادرات المجتمع المدني والمؤسسات الداعمة في تدريب وتمويل المعلمين لمساعدتهم في أداء مهمتهم التعليمية في خبرة ودراية وتطوير (المصدر السابق، ص 17- 18 بتصرفٍ).

المناهج الدراسية والامتحانات:

المناهج الدراسية هي أحد مدخلات العملية التعليمية ويعتبر تكامل مراحلها العلمية هو استقرار للصورة الفكرية والذهنية لدى الطالب في تناول منطقي لفاعليات المناهج المتنامية حتى إتمام مرحلة التعليم قبل الجامعي.

ومن الضروري أن يضع المجتمع مناهج التعليم ويحدد أهدافه العليا ومستهدفاته المرحلية وذلك عن طريق نخبة من علمائه ومفكريه وخبرائه لبناء الشخصية المصرية التي تتخذ التفكير العلمي منهجًا في إطار من القيم، على أن يضع رؤى واستراتيجيات مناهج التعليم قبل الجامعي أكاديميون وأساتذة تربويون لهم تواصل مع الخبرات الدولية للشعوب التي استطاعت أن تتقدم بقواعدها التربوية، كما توضع الرؤى العامة لطرق التدريس الأكثر حداثة، والتي تساعد المعلم على تدريب الطالب على التعلم السريع وتأصيل الفكر العلمي في صورة مبسطة مرتبطة بالحياة في منهج غير متنافر أو متناقض ينمي لدى الطالب مهاراته وذكاءه.

ومن الضروري أن نربي أبناءنا على الامتحانات التي تخاطب فكره المرتب علميًّا، وليس مجرد تذكره واستظهار للمنهج، حتى ننمي عند أبنائنا القدرة على الابتكار والعلمية في مواجهة مواقف حياتهم المستقبلية، وعليه يجب:

1- أن يضع الأكاديميون والخبراء التربويون مواصفات الامتحانات النظرية والعملية وورقة الامتحان بما يحقق تعزيز وتنمية الفكر والتناول العلمي وتنمية المهارات والذكاء لدى الطالب والذي يدعم التفكير في مقابل التذكر.

2- دون اللجوء إلى أسئلة الاستظهار والتلقين الذي هو من أسباب تفشي ظاهرة مراكز الدروس الخصوصية (راجع المصدر السابق، ص 14- 16 بتصرف).

الدروس الخصوصية:

طفت على السطح من الثمانينيات ظاهرة الدروس الخصوصية، وتحولت إلى آفة تهدد النواحي التعليمية والتربوية، وكان من أسباب ظهورها:

1- ارتفاع كثافة الفصول نتيجة للزيادة السكانية وزيادة أعداد الطلاب في مقابل عدم زيادة في المنشآت المدرسية؛ مما تسبب في زيادة الأعباء الفنية على المعلم.

2- ظهور نظام الفترتين، بل الثلاث فترات في المدرسة الواحدة؛ مما تسبب في انخفاض أداء المدرسة.

3- جمود المناهج واعتمادها على الحفظ والاستظهار والتكرار والحشو في الوقت الذي شهدت فيه انحسارًا شديدًا في دور الأنشطة الدراسية كالمعمل، والملعب، وغيرها.

4- انخفاض المستوى المادي للمعلم في مقابل المسئوليات التي يلقيها المجتمع على عاتقه في التربية والتنشئة.

5- انعدام التدريب الفعال تقريبا بل وعشوائيته واقتصاره على المادة التدريسية دون التدريب على المهارات الخاصة بالمعلم حتى يكون محترفًا.

6- عدم الاهتمام بالمنشأة ومرافقها وتأمينها حتى أضحت في كثير من الأحيان مكانًا غير آمن ولا يدعو لاطمئنان أولياء الأمور على أبنائهم (وقد أدت كل تلك الأسباب السابقة إلى تهميش دور المدرسة وفقد ثقة المجتمع بها) (راجع "التعليم والمجتمع"، ص 19).

لقد بدأت الظاهرة في سنوات نهاية الشهادات الابتدائية والإعدادية والثانوية حرصًا من أولياء الأمور على حصول أبنائهم على الدرجات العالية خاصة مع تدهور حال المدرسة وتراجع مستوي المدرسين وجمود المناهج وقيامها على التلقين والحفظ، فلجأ أولياء الأمور إلى المدرسين المشهورين بالكفاءة في التدريس لمساعدة أبنائهم في مذاكرة المناهج، وقد طغت الظاهرة واستفحلت حتى غدت أمرًا مقبولًا بحكم تخدير العادة رغم ما فيها من معاناة على أولياء الأمور خاصة مع ازدياد التدهور واعتياد الأبناء على الدروس وتطلع أغلب المدرسين إليها إلى جانب منح وزارة التربية والتعليم لمدرسي الفصول حق تقدير نسب من درجات المواد الدراسية كدرجات أعمال خلال العام الدراسي يتحكم فيها المدرسون ويستغلونها للضغط على الطلاب للالتحاق بالدروس الخصوصية التي يقدمونها للطلاب، حتى صارت هناك مافيا من المدرسين يتحكمون في سوق الدروس الخصوصية.

يقول د. حامد عمار حول سلبيات الدروس الخصوصية ما مختصره: (إنها تحدث سلسلة من الاختلالات تبدأ من مجرد ضبط الفصل واستهلاك طاقة المدرس الفكرية والبدنية ليلا بما لا يمكنه من أداء واجبه في المدرسة نهارًا. وهي أداة لترسيخ عمليات التلقين وتخزين المعلومات واسترجاعها، وينعدم معها الفهم والحوار والمناقشة ومحاولة تنمية قدرات التفكير والإبداع. ثم إن معظم الطلاب لا يعنيه الاستماع للمعلم في الفصل لأن تعليمه الحقيقي يتم من خلال الدروس الخصوصية.

وباختصار: ثم اختزال عملية التعليم والتعلم إلى حدود التلقين والحفظ والتذكر والاسترجاع؛ بيد أن الخسارة الفادحة من هذا الوباء قد تعدت إلى مظاهر الاستهتار والانفلات من كل القيم التعليمية حول إهدار كرامة المعلم واحترامه، ومن الاعتداء على المدرسة وأسوارها، ومن تفجر العدوانية والعنف بين الطلاب ومدرسيهم. هذا فضلًا عن الخسائر التربوية والعلمية في عوائد تمويل الدولة للتعليم وفيما تنفقه الأسرة من المليارات التي تقدر بأكثر من 18 مليار من الجنيهات، وهي في تصاعد مستمر مع زيادة معدلات التضخم في سلعة التعليم.

ونشير كذلك إلى ما يترتب عليها من تمايز طبقي بين فئات المعلمين أنفسهم فضلًا عن تجاوز مبدأ تكافؤ الفرص لصالح الطلاب القادرين على تحمل تكاليفها وضد الطلاب الذين ينوء أولياء أمورهم أو يعجزون عن تحمل تكاليفها، وبذلك تسهم الدروس الخصوصية في تسليع عملية التعليم وإعلاء قيمة المال وإمكاناته في اكتساب القوة والمكانة لدى الطلاب منذ بداية مراحلهم التعليمية.

وبذلك لا تقتصر مخاطر الدروس الخصوصية على تهديد العملية التعليمية ومقاصدها، وإنما الأدهى ما يترتب عليها من تهديد لمقومات العدل الاجتماعي، ومن ابتزاز لحقوق الفقراء ومحدودي الدخل من أي فرص لمواصلة تعليمهم.

ومِن ثَمَّ أصبح الاتجار بالتعليم معرفة مماثلة للاتجار بأقوات الشعب، وبذلك أيضًا يغدو أداة من أدوات التفسخ المجتمعي واستثارة مظاهر السخط والتذمر في نفوس الطلاب وأولياء أمورهم) (المرشد الأمين، ص 157 - 158 بتصرف).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة