الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

كيف تُبنى الأمم؟ (5) أنموذج من حياة يوسف -عليه السلام-

مواجهة الفتنة بصدق التوجه إلى الله والاعتصام به

كيف تُبنى الأمم؟ (5) أنموذج من حياة يوسف -عليه السلام-
وائل عبد القادر
الأحد ٣١ مايو ٢٠٢٠ - ١٠:٠٧ ص
441

كيف تُبنى الأمم؟ (5) أنموذج من حياة يوسف -عليه السلام-

كتبه/ وائل عبد القادر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ثالثًا: مواجهة الفتنة بصدق التوجه إلى الله والاعتصام به، وهو ما يظهر في تعامله مع فتنة النساء حيث قال -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) (يوسف:33)، فأغلق على نفسه أبواب الفتنة، بل أبواب أعظم فتنة وهو فتنة النساء التي تعصف بقلوب الرجال، وتنحرف بهم عن سواء الصراط، وقد أسكرت عقولهم وألهتهم عن وظيفتهم الدينية (العبودية) والدنيوية؛ ليضرب أروع الأمثلة في العفة والطهارة والنقاء الذي هو مِن أعظم مقومات البناء والتقدم؛ وإلا فكم مِن دولٍ تقدمت في مناحي الحياة، وهم يعيشون عيش الأنعام في اللهو والمتع المحرمة، فما سعدوا في حياتهم وما أشبعوا نهمهم في شهواتهم، فظهرت منهم الانحرافات الأخلاقية الفجة، وانتكست فطرهم على نحو صاروا معه أضل من الأنعام.

ليرسل بذلك رسالة عظيمة إلى الشباب الذين هم عماد التنمية في المجتمع ، حتى لا ينجرفوا وراء النزوات الرخيصة والشهوات المحرمة مهما كانت الظروف أو الأسباب، فسريعًا ما تزول اللذة وتبقى آثارها السيئة على القلب والبدن، فكم مِن شهوة ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها.

فعفّ عليه السلام رغم اجتماع أسباب وقوع الشر، ولكنه الاعتصام بالله -تعالى- وحده، قال ابن القيم -رحمه الله- في روضة المحبين: "وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- عن يوسف الصديق مِن العفاف أعظم ما يكون فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره، فإنه كان شابًا والشباب مركب الشهوة، وكان عزبًا ليس عنده ما يعوضه، وكان غريبًا عن أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه يستحيي منهم أن يعلموا به فيسقط من عيونهم، فإذا تغرب زال هذا المانع، وكان في صورة المملوك والعبد لا يأنف مما يأنف منه الحر، وكانت المرأة ذات منصب وجمال، والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك، وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبه، وخوفه من عدم الإجابة، وزادت مع الطلب الرغبة التامة والمراودة التي يزول معها ظن الامتحان والاختبار لتعلم عفافه من فجوره، وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان ومكانه الذي لا تناله العيون، وزادت مع ذلك تغليق الأبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة، وأتته بالرغبة والرهبة، ومع هذا كله فعف لله ولم يطعها، وقدَّم حق الله وحق سيدها على ذلك كله، وهذا أمر لو ابتلي به سواه لم يعلم كيف كانت تكون حاله" (انتهى من روضة المحبين).

والعفة تجلب لصاحبها ثمرات ومحاسن جليلة، منها:

طهارة الفرد ونقاء المجتمع ، فالعفيف يحيا حياة إجتماعية مستقرة، يتمتع بالسمعة الطيبة، والذكر الحسن، والزواج السعيد، ويهنأ بنفسية مستقرة مطمئنة، يأنس بالطاعة وبهجة القرب من الله -تعالى-، ولذة العبادة، وحلاوة الإيمان، ويسعد مجتمعه بأخلاقه الفاضلة، بحيائه وعفافه وتقواه.

فهكذا تعمل الأخلاق الحميدة بأهلها فهى أقصر الطرق للنهضة والتنمية وأنجعها في إدارة الحوار، ومعرفة أدب الخلاف، وأسس المصالحة بين الطوائف المختلفة، فيصل الجميع إلى الهدف المنشود طالما صلحت النوايا واعترف المخطئ بخطئه، فرجع إلى ربه وأناب إليه بلا استكبار أو معاندة، أو بطر للحق ودفعه بالباطل، فمن بقي على عناده فلا يلومن إلا نفسه، فسنن الله لا تتغير؛ فهو -سبحانه- متم نوره، ومظهر شرعه على الدين كله، ولو كره المجرمون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة