الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مصر والشام وعز الإسلام (2)

بعد أن اُستكملت التجهيزات وتمت الاستعدادات، عيَّن أبو بكر قادة الجُيوش التي قرَّر أن يُرسلها إلى الشام

مصر والشام وعز الإسلام (2)
أحمد حرفوش
السبت ١٨ يوليو ٢٠٢٠ - ٢٠:٠٤ م
524

مصر والشام وعز الإسلام (2)

كتبه/ أحمد حرفوش

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فقد أظهرت غزوة مؤتة للروم، أن العرب الذين اعتادوا على شنِّ غارات سلب ونهب، قد قدِموا هذه المرة في جيشٍ منظمٍ، وقد جعلتْ هذه الغزوة المسلمين يتطلعون لفتح الشام، وفي السَّنة التي تليها (9هـ -630م) قاد النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه غزوة تبوك، وسار للقاء الروم، فأظهر قوة المسلمين وعاد إلى المدينة، وفي هذه الغزوة أيقنت القبائل العربية التي تعمل لحساب الروم أن اعتمادها على الروم قد فات أوانه، فانقلبت لصالح المسلمين.

وفي (11هـ -632م) أعد النبي -صلى الله عليه وسلم- جيشًا بقيادة أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- لمواجهة الروم، غير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توفيَّ قبل تحرك الجيش، وكان أول عمل قام به أبو بكر -رضي الله عنه- بعد مبايعته هو التصدي لأهل الردة ومدعي النبوة، في مختلف أنحاء شبه الجزيرة لأهدافٍ مختلفةٍ، كما قرر أبو بكر -رضي الله عنه- تلبية رغبة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته، وهي إرسال جيش أسامة بن زيد إلى مشارف الشام لمحاربة الروم.

وقد أشار المسلمون على أبي بكرٍ ألا يُرسل جيش أسامة بن زيد؛ حتى لا تضعف قوة المدينة النبوية إذا هاجمتها قبائل العرب المُرتدة، ولحاجته إليه في قتالهم وغزوهم، لكنّ أبا بكر أَبَى أن يخالف وصية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكان جوابه إلى الصحابة صريحًا، فقال: "وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ عُقْدَةً عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَوْ أَنَّ الطَّيْرَ تَخَطَفُنَا، وَالسِّبَاعَ مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْكِلَابَ جَرَّتْ بِأَرْجُلِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، لَأُجَهِّزَنَّ جَيْشَ أُسَامَةَ"، وانطلق جيش أسامة -رضي الله عنه-، فكان لا يمر بقبيلة يريد أهلها الارتداد إلا قالوا: "لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم".

ولما عاد جيش أسامة مظفرًا ثبتوا على الإسلام، وانتصر المسلمون أيضًا على أهل الردة، وقد ترتب على انتصار المسلمين على أهل الردة عدَّة نتائج مهمة، منها: إعطاء المسلمين الثقة بالنفس، وبِالطريق الذي اختاروه، وهو نشر رسالة الإسلام في ربوع الأرض، وهي ثقةٌ مهمة وضروريةٌ في مواجهة قوى كبرى تتمتع بقدراتٍ ماديةٍ وكثرةٍ عدديةٍ؛ هذا إلى جانب الإيمان بالهدف، كما شكلت فرصةً للمسلمين كي يتدربوا تدريبًا عسكريًّا عمليًّا على مستوى الجيوش الكبيرة، ويمكن وصف هذه الحروب بِمثابة جسر عبر المسلمون العرب عليه إلى خارج شبه الجزيرة العربية بهدف الفتح.

لقد كانت الشام في مقدمة اهتمامات الخليفة أبي بكر، وكانت هذه البلاد أكثر التصاقًا بذاكرة العربي التاجر، حيث سعى إليها في رحلة الصيف أو سمع الكثير عنها من رجال القوافل ورُواة الأخبار، وتمت خطة التحرك نحو الشام في سنة (12هـ -632م)، بعد مشاوراتٍ أجراها أبو بكر مع كبار الصحابة، ثُم قام بتعبئة المسلمين لفتح هذه البلاد، فكان خالد بن سعيد الأُموي أول مَن خرج إليها وأمره أبو بكر أن يكون بمَن معه على تيماء (قرية بين الحجاز والشام)، ولا يتقدم حتى يأتيه أمره.

وبعد أن اُستكملت التجهيزات وتمت الاستعدادات، عيَّن أبو بكر قادة الجُيوش التي قرَّر أن يُرسلها إلى الشام:

الجيش الأول: بقيادة يزيد بن أبي سُفيان، وحدد لهُ مدينة دمشق كهدف.

الجيش الثاني: بقيادة شرحبيل بن حسنة، وهدفهُ مدينة بُصرى.

الجيش الثالث: بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وهدفه مدينة حمص.

والجيش الرابع: بقيادة عمرو بن العاص وهدفه فلسطين.

أما الجيشُ الخامس: فبِقيادة عكرمة بن أبي جهل، وقد أبقاهُ الخليفة في المدينة عند الحاجة.

 أوصى أبو بكر قادة الجُيوش باللين مع الجُنود، وعدم تحميلهم ما يفوق طاقتهم؛ للمُحافظة على قُدرتهم القتالية، وأن يُشاور كُل منهم مرؤوسيه للوُصول إلى القرارات السليمة، والثبات عند لقاء العدوّ، وعدم جواز قتل الأطفال والشيوخ والنساء والعُزَّل، أو حرق الزرع وقطع الأشجار، ونقض العُهود والغدر، وعدم التعرُّض للبطاركة والرُهبان والنُسَّاك في الأديرة والصوامع والكنائس، على أن يُخيَّر المُشركون بين القتال أو الإسلام أو الجزية؛ فيا ترى ماذا فعلوا؟

هذا ما نتناوله في المقال القادم -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة