الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (64) التربية البدنية والتربية الرياضية (ما ينبغي وما لا يجوز) (2-3)

الأطفال دائمًا يحتاجون إلى اللعب للترويح وللمعرفة واكتساب المهارات

الفساد (64) التربية البدنية والتربية الرياضية (ما ينبغي وما لا يجوز) (2-3)
علاء بكر
السبت ٠٨ أغسطس ٢٠٢٠ - ١٨:٤١ م
600

الفساد (64) التربية البدنية والتربية الرياضية "ما ينبغي وما لا يجوز" (2-3)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتُعد لعب الأطفال وسيلة فعالة بدنيًّا وحركيًّا لتربية الأطفال بدنيًّا إلى جانب كونها من طرق التعلم والمعرفة؛ إذ أن اللعب (أحد المداخل التربوية لتكوين شخصية الطفل في هذه المرحلة)، (لأن الطفل يكتشف العالم الخارجي من خلال تعامله مع الآخرين، من خلال الحركة التي تلائم احتياجاته وقدراته الحركية، ويكتسب طفل هذه المرحلة من خلال اللعب القدرة على أداء الحركات الأصلية، مثل: الجري والوثب والرمي، ويؤديها بشكلٍ فرديٍ بعيدًا عن المنافسات، إلى أن يكون بعض الصدقات فيبدأ في اللعب مع عددٍ محدودٍ جدًّا (في حدود 2- 3) (راجع: أساسيات تدريس التربية الحركية والبدنية، د. حسن السيد أبو عبده - كلية التربية الرياضية جامعة الإسكندرية - ط. مكتبة الإشعاع - المنتزه - الإسكندرية - بدون تاريخ، ص 7).

فالأطفال دائمًا يحتاجون إلى اللعب للترويح وللمعرفة واكتساب المهارات، وفي قصة يوسف -عليه السلام- قال إخوة يوسف لأبيهم يعقوب -عليه السلام-: (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ . أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (يوسف:11-12)، بينما يعد اللعب من خلال المنافسات والمسابقات البدنية التي لا تخلو منها حياة الشباب هي الوسيلة الأقوى للتربية البدنية في مرحلة الشباب وما بعدها، كما قال إخوة يوسف لأبيهم: (يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) (يوسف:17)، وهم وإن كانوا كاذبين في قولهم هذا؛ إلا إن يعقوب -عليه السلام- لم ينكر عليهم ما ادعوه من اللعب والتسابق فيه؛ فهذا معتاد من الشبان في مثل هذا السن، ولا حرج عليهم فيه.

التربية البدنية للطفل قبل دخول المدرسة:

قد يعتقد الكثيرون أن التربية البدنية مرتبطة بمرحلة الشباب فقط، والحقيقة أن التربية البدنية تبدأ من الطفولة المبكرة حيث (اتفق العديد من العلماء على أهمية مرحلة ما قبل المدرسة؛ لأنها الفترة التي يتم فيها وضع اللبنات الأولى لشخصية الطفل حيث تظهر ملامحها وتتضح معالمها في هذه الفترة، وفيها أيضًا يكون الطفل أفكاره العديدة عن نفسه وعن البيئة المحيطة من حوله؛ لأن ذلك يساعده على أن يكون فردًا إيجابيًّا في المجتمع، وتعتبر هذه المرحلة مرحلة حاسمة في تشكيل الشخصية ومسار نموها على اختلاف نموها: العقلي - الإدراكي - الحركي - اللغوي - الحسي - الانفعالي.

وتعد من أخصب المراحل التربوية في تشكيل شخصية الطفل لمستقبل حياته، والطفل في مرحلة ما قبل المدرسة لديه قابلية كبيرة للتعديل والتغير والتشكيل، واستيعاب الجديد دائمًا من الخبرات، وكذلك تعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل نمو الإنسان حيث تبنى فيها أسس وأساليب التفكير لحياته في المستقبل) (المصدر السابق، ص 20 بتصرفٍ يسيرٍ).

التربية البدنية في مرحلة رياض الأطفال:

وتسمَّى هذه المرحلة بمرحلة الطفولة المبكرة، وهي الفترة ما بين السَّنة الرابعة والسنة السادسة من العمر، وللتربية البدنية في هذه المرحلة دورًا مهمًا (ويرجع سبب ذلك إلى شدة احتياج طفل هذه المرحلة إلى الانطلاق والجري واللهو، وهي مرحلة تعمل على تحقيق النمو الشامل والمتزن للطفل عن طريق تهيئته وإعداده للدخول إلى المراحل التعليمية التالية عن طريق تنمي شخصية الطفل، وتزويده بالمهارات المختلفة التي تساعده على بناء وتكامل شخصيته) (المصدر السابق، ص 21)، وتتضمن الأنشطة الحركية لهذه المرحلة استخدام العضلات الكبيرة للطفل: كالمشي والجري والتسلق، والزحلقة والدوران والقفز، والشد والدفع والتمرير، والركل والرمي واللقف، والتصويب، وتنطيط الكرة، مع توفير أنشطة تستخدم فيها الأدوات اليدوية الصغيرة، مثل: الحبال والأطواق، والكرات، ومقاعد التوازن وأجهزة الجمباز، والموانع (راجع المصدر السابق، ص 23 - 24).

التربية البدنية في مرحلة التعليم الابتدائي:

نظرًا للفوارق الفردية أثناء اللعب بين تلاميذ المرحلة الابتدائية، فيجب أن تتنوع الأنشطة التي تقدَّم لهم خلال تلك المرحلة لمواجهة متطلبات التلاميذ، فتشتمل أنشطتهم الرياضية على الأنشطة الحركية وحركات المعالجة اليدوية والتناول، مثل: الرمي والركل، والتمرير للكرة، وحركات المحافظة على توازن الجسم في الثبات والحركة، مع زيادة تمرينات تنمية الصفات البدنية الأساسية: كالقوة العضلية، والسرعة والتحمل، والرشاقة والتوازن، وإعطاء تمرينات للقوام، والهيكل العظمي (راجع المصدر السابق، ص 26 -27).

دور مدرس التربية الرياضية:

(يعتبر مدرس التربية الرياضية أساس المنظومة التعليمية لبرامج التربية الرياضية، وبمقدار قدرته وكفاءته تكون فعالية التعليم والتدريس حيث تتضاءل الإمكانات والمناهج في غيبة المدرس الكفء، حيث من المعروف أن البرنامج الدراسي يعتمد على ثلاثة محاور رئيسية، هي:

1- محور البرنامج.

2- محور الإمكانات والتمويل.

3- محور المدرس الذي يقوم بتنفيذ البرنامج.

والمدرس الجيد يساعد على تنظيم خبرات التعلم والمشاركة الدائمة في عمليات التجديد التربوي حيث يقوم بالتنفيذ والمتابعة، وهو يعتبر المثل الأعلى للتلاميذ حيث يتأثرون بشخصيته ويقلدونه، فدور المدرس الإيحائي الناتج عن تأثر التلاميذ بشخصيته كبير، والتعليم عن طريق القدوة له أثره الواضح العميق، والنمو المهني لمدرس التربية الرياضية يتوقف على نوع إعداده ودراسته قبل التخرج، وتعتبر فترة إعداد مدرس التربية الرياضية نقطة البداية لتزويده بالمعلومات الأساسية والتربية المهنية والتي يقوم بنقلها بعد التخرج للتلاميذ؛ ولذا فإن غالبية البرامج التي تؤدي لمدرس التربية الرياضية تتضمن مقررات في مواد مختلفة، ومنها المناهج وطرق التدريس وعلم النفس، على فرض أن مجرد معرفة الطالب (مدرس المستقبل) بها تمكنه من القيام باستخدامها بكفاءة ومهارة بعد التخرج، وعلى ذلك فإن إعداد المعلمين والمعلمات في كليات التربية الرياضية ينبغي أن يساعدهم على استيعاب وتطبيق مفاهيم المواد المختلفة.

ومدرس التربية الرياضية يجب أن يشارك في تخطيط المناهج، بمعنى أن يقوم بتحديد أهداف ومحتوى المنهج والأنشطة التعليمية التي يقوم بتنفيذها ثم تقويمها، كذلك يجب أن يكون ملمًّا بالأساليب الحديثة والبرامج المستحدثة في التربية الرياضية، وكيفية تطبيقها، والتغلب على المشكلات التي تواجه تطبيقها) (راجع: تدريس التربية البدنية لأطفال المرحلة الأساسية، د. حسن السيد أبو عبده - كلية التربية الرياضية جامعة الإسكندرية ط. ملتقى الفكر - الأزاريطة - الإسكندرية ط. الرابعة 2004 م، ص 29 - 30).

أهم واجبات مدرس التربية الرياضية:

(إن واجب مدرس التربية الرياضية الأول هو القيام بتربية التلاميذ عن طريق النشاط الرياضي وإكسابهم السلوكيات المرتبطة بمجالات النفس الحركية والمعرفية والوجدانية من خلال انتظام درس التربية الرياضية، والنشاط الداخلي والخارجي، كذلك العمل على الارتقاء بمقدرة التلاميذ البدنية والاجتماعية والعقلية حتى يصبحون مواطنين صالحين في المجتمع الذين يعيشون فيه) (المصدر السابق، ص 31).

ولكي يحقق مدرس التربية الرياضية دوره المهم في التربية؛ فينبغي عليه أن:

- يكتسب احترام وثقة التلاميذ فيكون قدوة حسنة لهم.

- يكون له القدرة على تحميس التلاميذ وحثهم على الاشتراك في الأنشطة الرياضية، والتفاعل مع العملية التعليمية في المدرسة.

- يغرس في التلاميذ الاتجاهات والعادات الصحية السليمة.

- يوفر عوامل الأمن والسلامة للتلاميذ، والإعداد الجيد للأدوات المستخدمة في الأنشطة الرياضية وصيانتها.

- يراعي الفروق الفردية بين التلاميذ عن طريق التعليم الفردي حسب القدرات الذاتية لكل تلميذ على حدة.

- يراعي الوقت المخصص للنشاط الرياضي ويراعي حالة الطقس.

- يضبط نفسه ويتجنب السلوك العدواني تجاه تلاميذه.

ومن كمال دوره أن يراعي:

- الميزانية المقررة للنشاط الرياضي بالمدرسة، وكيفية توزيعها على الأنشطة الرياضية المختلفة.

- اصطحاب التلاميذ من الفصل إلى ملعب المدرسة قبل بداية الدرس ثم اصطحابهم إلى الفصل بعد الانتهاء من الدرس.

- تعويد التلاميذ على حفظ النظام والتعاون، وتدريبهم على القيادة والتركيز والانتباه.

- الابتعاد عن الشكلية في التدريس بالابتكار والتجديد في أجزاء الدرس واستخدام الوسائل التعليمية المعنية.

- تنظيم مباريات ومسابقات في مختلف الأنشطة والألعاب بين الفصول الدراسية بالمدرسة.

- المشاركة في إدارة طابور الصباح مع زملائه، وفي إدارة اليوم الدراسي بالمدرسة، وفي الحفاظ على النظام والنظافة بالمدرسة مع المشاركة في اجتماعات مجلس الآباء.

- إعداد سجلات لتدوين الأنشطة الرياضية بالمدرسة، وعمل صحف حائط رياضية والإشراف عليها.

- تنظيم العمل مع الهيئات المحلية خاصة الأندية ومراكز الشباب بمنطقة المدرسة مع تنظيم رحلات خارجية للتلاميذ في المناسبات الرياضية، وحضور بعض المباريات الرسمية.

- المساهمة في تنمية الثقافة العامة والثقافة الرياضية في المدرسة (راجع في ذلك المصدر السابق، ص 31 - 36).

وهذه الواجبات تؤكِّد بوضوح على الصفات الواجب توافرها في مدرس التربية الرياضية، ومنها:

- أن يكون شخصية محبوبة وقدوة صالحة يقتدى بها.

- أن يمتاز بصفات القيادة والريادة.

- أن يكون حسن المظهر والخلق، ويتمتع بالروح الرياضية.

- أن يكون ملمًّا بالمادة الدراسية المكلف بالقيام بها، وعنده القدرة على توصيلها إلى تلاميذه، وواعيًا بأهداف المنهج الدراسي وتوجهاته ومحتوياته.

- أن يكون ملمًّا بالأسس النفسية والاجتماعية والثقافية للنشء، وعلى علم بخصائص التلاميذ واحتياجاتهم وقدراتهم (راجع المصدر السابق، ص 30).

الاهتمام بالأنشطة الرياضية لذوي القدرات الخاصة:

مع الاتجاه نحو العناية بأصحاب القدرات الخاصة وتقديم الرعاية الاجتماعية المتزايدة لهم من خلال دمجهم في العملية التعليمية والأنشطة الاجتماعية بقدر المستطاع والتمكين لهم اقتصاديًّا وسياسيًّا من خلال العديد من التشريعات، وتوفير حصة لهم من فرص العمل، ظهرت الحاجة إلى الاعتناء بالتربية البدنية والتربية الرياضية لأصحاب القدرات الخاصة من خلال ممارسة الرياضة لكل فئة بحسب قدراتها وإمكانياتها، وفي مختلف الألعاب الرياضية سواء لأصحاب الإعاقة العقلية أو لأصحاب الإعاقات الأخرى البدنية أو البصرية أو السمعية، وقد تعددت مشاركاتهم في المنافسات الرياضية المحلية والدولية خاصة بعد تنظيم الدورة البارالمبية للمعاقين.

أصل الرياضة الحركة، وغاية الرياضة القوة:

الحركة عماد الحياة، فالحركة هي فارق بين الكائن الحي والجماد، (وكل ما يتحرك على الأرض يسمَّى دابة، قال -تعالى-: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) (النور:45)، مشتقة من الدبيب وهو الحركة الجسمانية، واسم (دابة) يقع على كل ما دب) (الرياضة والأخلاق، د. منصور مندور، ص 85).

وعدم الحركة يؤدي إلى الخمول المفضي إلى تعطيل الجسم عن ممارسة حياته الفطرية (فحركة الماء ضمان لسلامته، وحركة الجسم ضمان لقوته وحيويته ونشاطه، وكمال فتوته، وجمال جوارحه، وحياته المتجددة). وفي هذا يقول الشاعر:

إنـي رأيـت وقـوف الـماء يـفـسـده                  إن سال طاب وإن لم يجرِ لم يطب

(وفي الحركة وتغيير المكان دفع للسهو أو النوم، جاء في السُّنة النبوية عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

(فَلْيَتَحَوَّلْ): أي فلينتقل إلى محل آخر، والحكمة في الأمر بالتحول أن الحركة تذهب النعاس، وزكاة البدن الحركة، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنَ ابْنِ آدَمَ صَدَقَةٌ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، والمراد به كل عظم ومفصل يعتمد عليه في الحركة، ويقع به القبض والبسط.

(وجسم الإنسان مكون من مفاصل، وكل مفصل له من التدريبات والأعمال ما يجعله قويًّا مرنًا، وتتحقق هذه القوة، وتظهر هذه المرونة بأداء ما كلف به من أعمال، وكل مفصل من هذه المفاصل عليه صدقه يؤديها زكاة عن صحته، وتقوم صلاة الضحى مقام الصدقات الواجبة على كل مفصل من بني آدم إذا أصبح آمنًا في سربه، معافى في جسده) (المصدر السابق، ص 86، 105).

(وكذلك الأمر بالنسبة لعبادات الإسلام وشرائعه التي تقوم على الحركة والسعي من الصلوات اليومية، والحج والسعي في طلب الرزق ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) (رواه مسلم).

فإذا أضفنا إلى ذلك: المشي في رواح الإنسان للمسجد لأداء الصلاة في مواقيتها، فإننا بذلك نضمن حدًّا أدنى للياقة العضلية للإنسان تكفل قدرًا مناسبًا من الصفات، والقدرات البدنية: كالمرونة والمطاطية العضلية، والتوافق العضلي العصبي المتمثل في أداء أركان الصلاة بشكل جماعي موقوت ومتناغم ومنضبط، فالصلاة التي فرضها الله -تعالى- على المسلمين، والسنن التي سنها لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما فيهما مِن قيام وقعود، وركوع وسجود، وتورك وافتراش، واطمئنان؛ فإنها تحفظ الجسم من الأمراض والترهلات.

ثم إن المصلي مأمور أن يسجد على سبعة أعضاء كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أُمِرَ النَّبِيُّ -صلّى الله عليه وسلم- أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ" (رواه البخاري)، وهي: "الجبهة واليدين والركبتين والرجلين"، وهذه الحركات في مجملها من شأنها أن تعمل على الحفاظ على النغمة العضلية وتنشيطها، والنغمة العضلية هي الانقباضات العضلية في حدها الأدنى للعضلات الهيكلية الكبرى، والتي تعمل في المحافظة على القوام المنتصب للإنسان بشكل متوازن، وأي ضعف في أحد جوانب أو أسطح الجسم يعرضه للانحراف والتشوه القوامي الذي يفضي بالتالي إلى قصور بعض الوظائف الحيوية للجسم) (المصدر السابق، ص 86 - 87).

(وهذه الأرض قد جعلها الله -تعالى- سهلة ميسورة لنستقر عليها، ذلولة منقادة لكي نمشي في أطرافها ونواحيها، وآكامها وجبالها، وفي طرقها وفجاجها، وفي هذا إشارة إلى التمكن من الزرع والغرس وشق العيون والأنهار، وحفر الآبار، والبناء عليها وتعميرها، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15)، أي: فسافروا حيث شئتم مِن أقطارها وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا؛ إلا أن ييسره الله لكم.

وقد جاء الأمر بالسعي والمشي حتى في يوم الجمعة: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة:9-10)، وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين) (المصدر السابق، ص 88).

رياضة المشي الملاذ الأخير:

(ينصح د. وائل النجار أستاذ أمراض القلب بطب القاهرة: بأنه كلما كانت الرياضة في سن مبكرة، جنى الإنسان فوائدها مبكرًا، فالمعروف أن الإنسان يهمل الرياضة عندما يتأهب لدخول سوق العمل ابتداءً من 24 عاما، وتتراكم الأثقال ويدخل في دوائر المسئولية من زواج وأبناء، وتهرب الرياضة في هذا العمر، وتتراكم المشاكل الصحية، وتظهر كل عوامل الخطر، مثل: التدخين، الكوليسترول، السمنة، السكر، ارتفاع ضغط الدم، ويا حبذا لو كان هناك تاريخ مرضي في الأسرة بأمراض القلب، والملاذ الوحيد هو: اللجوء إلى الرياضة المنتظمة، مثل: المشي) (راجع: "المشي: رياضة العمر الجميل"، وجدي رياض - كتاب اليوم الطبي - العدد 252 عام 2004 م، 86).

وفي كتابه: (أيها الإنسان تحرك) يقول د. هانس فيلهيلم مولر فولفرت، وهو أشهر طبيب رياضة في ألمانيا، وكان الطبيب الخاص لفريق باير ميونخ الأماني لكرة القدم: (إنه لم يفقد الأمل في تحفيز الناس على الحركة والخروج من استسلامهم للكسل والتخاذل عن الحركة في مجتمعه... ويشير في هذا الصدد إلى أن نحو 60% من البالغين يتحركون بقدرٍ أقل مِن المطلوب، ويقول: إن شخصًا مِن بين كل 4 أشخاص غير نشط بالمرة، ويترتب على ذلك زيادة الوزن، ومشاكل وأوضاع جلوس ووقوف غير سليمة، وزيادة مخاطر الإصابة بالجلطة والتعب المزمن، واضطرابات النوم وارتفاع ضغط الدم.

ويؤكد فولفرت: ضرورة أن يدرك الجميع أن أفضل استثمار للجسم والنفس هو الحركة، فالحركة تقلل من مخاطر أمراض القلب بمعدل النصف وترفع كفاءة الجهاز المناعي والحيوي والنشاط، كذلك فإنها تحسن القدرة على التفكير والإقبال على الحياة وتحمل الإجهاد والضغوط، وهي قبل ذلك كله تجعل الأنسجة فيما بين الخلايا -أو الأنسجة الضامة- سليمة وتتمتع بأداء كفء ومتماسك) (المصدر السابق، ص 37).

وفي هذا يقول د. مجدي يعقوب: (إن المشي يؤثِّر على القلب بالدرجة الأولى، يجعل القلب يتغير بالأسلوب الأمثل والمقبول بالنسبة لباقي أعضاء الجسم، بل ويفضل القلب هذا الأسلوب عن باقي أساليب الأداء الأخرى، وإليك العديد من الأمثلة التي تؤكد على ذلك وتوضحه، فمثلًا: عضلة القلب تستفيد تمامًا من عملية المشي عن طريق تنشيط برامج جينية، والتي تؤدي إلى زيادة حجم القلب وتحسن من وظيفة خلايا العضلة، وكذلك من الدورة الدموية للقلب، وذلك بزيادة كمية الدم المغذية لعضلة القلب في كلتا الحالتين سواء الأصحاء أو المرضى بالقلب، ومرضى قصور الشريان التاجي. وثمة دليل آخر مقنع وأكدته الأبحاث وهو إفراز وتخليق بعض الهرمونات، مثل: الأندورفين (مورفين الجسم الطبيعي) حيث إنه يجري إفرازه من الغدد طبيعيًّا أثناء حركة المشي، فيشحذ المخ ويعزز مِن قدرات النشاط الذهني، وقد تأكد ذلك علميًّا عندما ثبت أنه يزيد من نشاط المخ وقدرته على التفكير، وتحقيق السعادة، ويمتن له باقي أعضاء الجسم) (مقدمة د. مجدي يعقوب لكتاب: "المشي: رياضة العمر الجميل" ص 12 - 13).

ويؤكد د. نبيل جبران -وهو أستاذ ورئيس قسم القلب والأوعية الدموية بمعهد القلب القومي-: (إن المشي يساعد على تقوية عضلات الجسم والفقرات، ويمكننا من الحصول على قوام ممشوق، والتخلص من الوزن الزائد والكوليسترول الزائد، ويعمل أيضًا على تخفيض ضغط الدم العام، وأيضًا على تقليل نسبة السكر في الدم؛ بالإضافة إلى مفعولها في تحسين الحالة النفسية والتخلص من الهموم، إلى جانب تقوية عضلة القلب، وإعطاء الجهاز التنفسي الفرصة في زيادة سعة التنفس بنسبة أكبر).

(إن من أهم فوائد المشي هو تغير كيمياء الجسم حيث إنها تعمل على تحويل الكوليسترول الضار إلى مفيد، وبذلك نتجنب تصلب الشرايين وتقيننا من أمراض القلب والأوعية الدموية، عكس التدخين الذي يعمل على تحويل الدهون المفيدة إلى دهون ضارة تؤذي الجسم، وأكدت الأبحاث العلمية الحديثة أن هناك تحسنًا ملحوظًا لممارسة الرياضة، وخاصة الوقاية من أمراض العصر الناتجة عن عدم الحركة وازدهار التكنولوجيا والحضارة والمدنية التي أصبحت نقمة على المواطن المصري) (المصدر السابق، ص 94).

(وليس المقصود هنا المشي من أجل التمشية، بل رياضة المشي التي لها قواعدها الخاصة بها، خطوات ثابتة وسريعة ومنتظمة).

وأكد د. شريف عبد الهادي -عميد معهد القلب القومي-: (أنه لا بد أن تمارس الرياضة بالتدريج، أي: بمعدل ربع ساعة 3 مرات في الأسبوع إلى أن تصل إلى أقصاها، وهو ساعة في اليوم) (المصدر السابق، ص 93).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة