الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (65) التربية البدنية والتربية الرياضية (ما ينبغي وما لا يجوز) (3-3)

إن ممارسة ملايين الأطفال للرياضة يكشف لنا مبكرًا عن المواهب في الرياضة، وبالمواهب يبدأ عمل قطاع البطولة

الفساد (65) التربية البدنية والتربية الرياضية (ما ينبغي وما لا يجوز) (3-3)
علاء بكر
الأربعاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٠ - ١٧:٠٨ م
542

الفساد (65) التربية البدنية والتربية الرياضية "ما ينبغي وما لا يجوز" (3-3)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالغاية مِن التربية البدنية والتربية الرياضية هي: إعداد البدن وتقويته؛ ليكون قادرًا على تحمل أعباء الحياة ومشاقها، والقيام بوظيفته في الحياة من عبادة الله -تعالى- على الوجه المطلوب، وتعمير الأرض واستغلال ثرواتها وخيراتها، والاستفادة منها، فتقوية البدن تكون محمودة إن كانت للبناء والتشييد والإنتاج وتحصيل العلم وتحقيق التقدم والازدهار، وتقوية البدن تكون مذمومة إذا كانت للترف ونيل الحظوظ الدنيوية ومتاعها والإقدام على ما فيه مخالفة الشرع أو إفساد في الأرض.

وكم مِن أقوامٍ حباهم الله -تعالى- بالقوة، فوجهوها لمظاهر الترف والشهوات، والبطش والإفساد، فاستحقوا عقوبة الله -تعالى- وعذابه، فقوم عاد حباهم الله -تعالى- بقوة الأجساد وكثرة النعم، فتجاوزوا الحد في الإسراف والترف، (وقوم عاد هؤلاء من ذراري نوح، وهم الذين نجوا معه في السفينة وكانوا يعبدون الله وحده، ما لهم من إله غيره، وكانوا يعتقدون أنه رب العالمين، فلما طال عليهم الأمد وتفرقوا في الأرض، ولعب معهم الشيطان لعبة الغواية وقادهم من شهواتهم، وفي أولها: شهوة الملك، وشهوات المتاع وفق الهوى لا وفق شريعة الله، وكانوا يسكنون بالأحقاف، وهي الكثبان المرتفعة على حدود اليمن ما بين اليمامة وحضرموت، يقول -سبحانه-: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ . أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ . وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ . قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ . إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ . وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (الشعراء:123-139).

(فقد استخلفهم الله في الأرض من بعد قوم نوح، وأعطاهم قوة في الأجسام وضخامة بحكم نشأتهم الجبلية، وأعطاهم كذلك السلطان والسيطرة، وقد امتن الله عليهم بذلك، فقال سبحانه: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأعراف:69)، أي: زاد طولكم على الناس بسطة: أي: جعلكم أطول من أبناء جنسكم، وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد، والأموال والجنات والأنهار، والأبناء، والزروع والثمار، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه، فبعث الله هودًا إليهم؛ رجلًا منهم، رسولًا وبشيرًا ونذيرًا، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، وحذرهم نقمته وعذابه، فقد كان من حق هذا الاستخلاف وهذه القوة والبسطة أن تستوجب شكر النعمة، والحذر مِن البطر واتقاء مصير الغابرين)، ولكن القوم غرتهم قوتهم حيث بلغت عاد (من الحضارة الصناعية مبلغًا يذكر، حتى تتخذ المصانع لنحت الجبال، وبناء القصور، وتشييد العلامات على المرتفعات، وحتى ليجول في خاطر القوم أن هذه المصانع وما ينشئونه بواسطتها من البنيان كافية لحمايتهم من الموت ووقايتهم من مؤثرات الجو وغارات الأعداء، ومِن ثَمَّ سماه الله عبثا)، (فهو توجيه من الله -تعالى- لمن أوتي بسطة في جسده أن ينفق قوته وجهده فيما هو خير، وتنفق البراعة فيما ينفع الناس، وينفق المال فيما هو ضروري ونافع؛ لا في الترف والزينة، ومجرد إظهار البراعة والمهارة، ويبين -سبحانه- أن قصد قوم عاد مِن ذلك هو التفاخر والتطاول بالمقدرة والمهارة، فينكر عليهم الترف في البنيان لمجرد التباهي بالمقدرة، والإعلان عن الثراء والتكاثر، والاستطالة في البناء، كما ينكر غرورهم بما يقدرون عليه من أمر هذه الدنيا وما يسخرونه فيها من القوى وغفلتهم عن تقوى الله ورقابته).

(وكم من أمة بعد عاد ظلت تفكر على هذا النحو، وتغتر هذا الغرور، وتبعد عن الله كلما تقدمت في الحضارة، وتحسب أن الإنسان قد أصبح في غنية عن الله! وهي تنتج من أسباب الدمار لغيرها والوقاية لنفسها ما تحسبه واقيًا لها من أعدائها... ثم تصبح وتمسي فإذا العذاب يصب عليها صبًّا من فوقها ومن تحتها، ومن حيث لا تعلم) (راجع الرياضة والأخلاق، ص 48 -51 بتصرفٍ).

إن إنفاق الأعمار في اللعب واللهو، وجعله وظيفة ومهنة، والغفلة عن إنفاق العمر فيما يجدي وينفع يعرض العبد للعقوبة، فلا يأمن المنشغل باللعب واللهو مكر الله -تعالى- به، قال -تعالى-: (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ . أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) (الأعراف:98 -100).

وفي المقابل: كان استخدام القوة في الجهاد، كما في قصة طالوت الذي قاد قومه من بني إسرائيل للخروج من التيه في سيناء إلى الأرض المباركة في فلسطين، فقد بيَّن -تعالى- علة تفضيله لطالوت وإعطائه الملك دون غيره ليقود قومه في قتال الأعداء، فقال -تعالى- على لسان نبي بني إسرائيل: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) (البقرة:247)، فالقوة البدنية أصل القوة المطلوب تحصيلها، ولا جهاد ولا دفاع عن الوطن والأهل إلا بها، وهو ما حض عليه القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال:60)، وأشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ) (رواه مسلم).

الرياضة والترويح بدون اللهو المذموم:

إن الرياضة نشاط إنساني يتجه إليه الفرد بدافعٍ مِن فطرته التي تميل إلى تجديد النشاط وقطع الملل والرتابة من تكرار الأعمال اليومية، أما اللهو فهو التشاغل عما هو مطلوب والغفلة عما هو مرغوب، والأصل في حياة المسلم هو العمل الجاد، أما الفراغ فهو الاستثناء، والترويح في وقت هذا الفراغ لا يعني الغفلة عن المصالح الأعلى والنفع أيضًا، وهذا ما أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (وَكُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ، إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ) (رواه الترمذي (1637) وابن ماجه (2811)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه إلا زيادة: "فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ").

إن تأثرنا بالحضارة الغربية في إقبال الغربيين على اللهو والإسراف في الشهوات بلا قيودٍ في أوقات الفراغ بين أوقات العمل الجادة خاصة في الإجازات الأسبوعية والسنوية، جعلت الكثير من شبابنا ينطلق إلى الاغتراف من المتع والشهوات المتنوعة المباحة والمحرمة على اختلاف أنواعها، فلا يكتفي بممارسة الرياضة في صورتها المحمودة، بل يجنح إلى اللهو على طريقة الغرب، ولو باقتراف المحرمات!

(إنه وفقًا للمنظور الإسلامي لا يكون لعب الكبار إلا لأغراضٍ كبار، ويبقى اللعب للأطفال لأغراض كبارٍ أيضًا؛ لأن اللعب لا سيما الألعاب التنافسية الجماعية معدودة عند كل الأمم مِن وسائل التربية التي يمكن من خلالها إعطاء الأطفال صورة مصغرة عن العالم الذي سوف يواجهونه في المستقبل، ويمكن مِن خلالها للمربي أن يكتشف الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية في الطفل الذي يربيه.

ومِن المفترض من الناحية التربوية: أنه يتم تدريجيًّا ومع تقدم العمر أن تدرج على قائمة أولويات الطفل أعمال جادة، فتستقطع جزءًا من وقت اللعب إلى أن يتلاشى اللعب تمامًا فلا يبقى منه إلا ما كان معينًا على الجهاد أو على ملاطفة الأهل، أو ما كان غرضه الترويح، وهو لا يكون في حياة المسلم، بل في حياة الأمم الجادة إلا شيئًا يسيرًا كالملح في الطعام، فيكون في المناسبات) (مقال: الكرة والطفولة الحضارية، م. عبد المنعم الشحات - موقع أنا السلفي - في 17/3 /2008 م).

لا تربية رياضية بلا ملاعب وأدوات:

تتمتع بلادنا بوفرة ضخمة في أعداد الشباب، وممارسة جميع هؤلاء الشباب للألعاب لرياضة وتشجيعهم عليها يحتاج منا إلى توفير أماكن وملاعب مناسبة في نوعيتها لممارسة هذا العدد الضخم للألعاب الرياضية بطريقة فعالة وسليمة، على أن تكون تحت إشراف ومتابعة بقدر الإمكان، وتوفير كل ما يلزم من أدوات اللعب المناسبة من الحضانات ورياض الأطفال، وفي مدارس التعليم الأساسية والتعليم الثانوي بأنواعه، بل والجامعات، ويتعدى العدد في هذه المؤسسات التعليمية الخمس والعشرين مليون.

وللأسف: فالحضانات ودور الأطفال لا تتوفر فيها اللعب المناسبة الآمنة، وتفتقد الإشراف الجاد عليها، ومدارسنا بلا ملاعب أو أدوات وتفتقر بشدة إلى الأنشطة الرياضية المنتظمة والجادة، والتنافس فيها.

وكما نفتقد أماكن ممارسة الرياضة في مؤسساتنا التعليمية فهي مفتقدة أيضًا وبشدة خارجها حيث عدد النوادي الرياضية والاجتماعية ومراكز الشباب لا يتناسب مع أعداد شبابنا في مختلف الأعمار، بل تفتقر -وبشدة- إلى الساحات الشعبية والحدائق، والمتنزهات العامة التي تحوي نماذج مِن ألعابٍ للأطفال وأماكن للعب الكبار؛ ناهيك عن الاشتراكات المبالغ فيها في الأندية الرياضية بما لا يقدر عليها الأغلب من الشباب، وافتقار أكثر مراكز الشباب إلى الإمكانيات والإشراف الجاد، والمتابعة للأنشطة فيها؛ مما يصرف الشباب عنها، فهي في أكثرها خاوية على عروشها رغم ما لها من ميزانياتٍ في وزارة الشباب والرياضة، وما يسجل فيها من أنشطة على الورق لا تتناسب مع واقعها الحقيقي وتأثيرها الفعلي في البيئة المحيطة بها إلا في بعض المراكز القليلة في بعض المدن الرئيسية، أما الأغلب منها فيتخذها الكثيرون (سبوبة!) يتكسبون منها بلا عائدٍ مجدٍ منها، رغم الحاجة الشديدة إليها!

افتقاد دور مدرس التربية الرياضية الفعَّال:

إن التربية البدنية ينبغي أن تتم من خلال برامج تتناسب مع كل فئة، ومرحلة من مراحل العمر، ولكل مرحلة أدواتها وأجهزتها وألعابها الخاصة، ولكن لا قيمة لهذه البرامج والأدوات بدون مدرسي التربية الرياضية في المدارس عامة، وبدون مدربي مراكز الشباب خاصة، فهي الأماكن الأكثر شعبية، وتستهدف الغالبية من الشباب.

وإذا كنا نعاني مِن تدني أحوال المعلمين في المدارس وقلة العناية بهم وتطويرهم، وتدريبهم المنظم على كل ما هو جديد، فالوضع مع مدرسي التربية الرياضية ومدربي مراكز الشباب أسوأ بكثيرٍ.

إن أكثر المعلمين لا يتلقون دورات ودراسات منتظمة بعد تخرجهم ويفتقدون القدرة على التعلم الذاتي، ومَن تلقى منهم دورات تدريبية؛ فهي دورات تقليدية لا تسمن ولا تغني من جوع، ويبقى مدرسو التربية الرياضية يكاد لا يكون لهم دور أو مهام في مدارسهم؛ إذ حصص التربية مهملة، والمدارس بلا ملاعب أو إمكانيات والطلبة وأولياء أمورهم لا يلتفتون لهذا الأمر أدنى التفات، ويبقى كل ما يُقال عن الرياضة في مدارسنا ومركز شبابنا هو مجرد كلام على الورق!

ولن يتم تصحيح الأوضاع إلا بالاهتمام بمدرسي التربية الرياضية، وتوفير الملاعب والأدوات والأجهزة الرياضية لهم، ومساعدتهم ومتابعتهم في تنفيذ المناهج المحددة لمراحل التعليم المختلفة؛ خاصة ونحن نمتلك الكثير من كليات التربية الرياضية التي يتخرج منها كل عام الآلاف مِن الخريجين الذين يمكن أن يساهموا، وهم أول خط مكلف بذلك في رفع اللياقة البدنية لشباب الأمة وتغيير نظرتهم السلبية لممارسة الرياضة، وتحفيزهم للمواظبة على مختلف الألعاب الرياضية بحسب رغباتهم، واكتشاف المواهب والكفاءات في هذا الشأن ومتابعتهم.

حتى رياضة المشي مهجورة:

لم يتوقف الأمر على ما نراه مِن تقصيرٍ كبيرٍ في التربية البدنية للشباب في مختلف الأعمار، بل امتد التقصير إلى إعراض أكثرية الناس عن ممارسة الرياضة بأنواعها، بل وترك الناس في مختلف الأعمار لأبسط أنواع الرياضة وأسهلها أداءً، وأقلها تكلفة، وهي رياضة المشي.

ولقد أصبحنا في أشد الحاجة إلى تحفيز الهمم للمواظبة على رياضة المشي لكل الأعمار؛ خاصة ممن لا يجدون القدرة أو الوقت الكافي لممارسة الرياضة في النوادي والساحات.

لقد انتشرت السمنة المفرطة، ومرض السكر بمضاعفاته، ومرض ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، والأوعية الدموية بمضاعفاتها بدرجةٍ غير مسبوقة، وفي مقدمة أسباب ذلك ترك ممارسة الرياضة بأنواعها، والوقوع في كثيرٍ مِن العادات الصحية السيئة والضارة، وينبغي على الدولة بوسائل إعلامها المختلفة: المرئية والمسموعة والمقروءة، تحفيز الناس وتشجيعهم على ممارسة الرياضة بأنواعها؛ ولو بممارسة رياضة المشي لفترات منتظمة.

ومن الأمور المحفزة على ذلك: أن تسلَّط الأضواء على مَن يمارس المشي من المشهورين والشخصيات العامة، وأصحاب المناصب، ورجال الفكر والأعمال الذين يمارسون رياضة المشي لتجديد الحيوية والنشاط؛ ليتخذهم الآخرين قدوة في ذلك.

وينبغي التنبُّه إلى بعض ضوابط المشي كرياضة لتؤتي ثمارها المرجوة، ومنها:

استخدام الأحذية الرياضية الحديثة (التي يتم تصنيعها في لجانٍ متخصصة من أطباء العظام، وأطباء الطب الطبيعي، وأخصائي تصنيع الأحذية بحيث يصمم الحذاء بصورة تريح القدم والساق وسمانة الرجل، والقدم والعمود الفقري، والحذاء غير المصمم بصورة جيدًا تماما فإنه يسبب آلامًا)، (وإذا كان الحذاء غير مناسب فإن صاحبه سوف يكره المشي، ويكون أقرب ما يكون من الرفض. إن الحذاء المريح يساعدك على المشي كثيرًا ويساعدك على قطع مسافات طويلة بلا آلام)، (ولم يعد الحذاء هو كل شيء، بل الشراب يلعب دورًا مهما مثل الحذاء تمامًا، فلا بد أن يكون من القطن ولا يكون من الألياف الصناعية حتى يتحمل احتكاك القدم بالحذاء لزمن يمتد لمدة ساعة)، فـ(في كل رحلة، فإن الرياضي يعاني ابتلال القدم، ومع حركة المشي فإن القدم تتأثر من المواد البلاستيكية المصنوع منها الحذاء، وأصبح صناع الحذاء الرياضي يراعون وجود بعض الفتحات لكي يخرج منها الهواء الساخن المحبوس في الحذاء وتتم تهوية القدم مع كل خطوة)، و(التخصص الدقيق أصبح حتى في الأحذية، فهناك حذاء للتنس وتنس الطاولة والجري والمشي وكرة السلة... وهكذا). (يبقى بعد ذلك أهمية رباط الحذاء الرياضي بحيث لا يكون طويلًا ولا قصيرًا، ولا يتم إحكامه بشدة أو إرخاؤه، كما أن هذا الرباط يكون عريضًا ونسيجه من الأقطان، ومن المهم هنا لسان الحذاء المبطن جيدًا حتى لا يضغط رباط الحذاء بشدة على وجه القدم، ويحبس الدم في الأوعية الدموية، ويبطئ سريانه بلطف إلى القدم) (راجع: المشي: رياضة العمر الجميل، ص 21 - 23 بتصرفٍ يسيرٍ).

ينصح الأطباء بعدم المشي في الشمس في عز الصيف حتى لا تتعرض لنزيفٍ شديدٍ من العرق، وفقد كمية كبيرة من الماء بالجسم ويتعرض للجفاف)، (والمشي في الصباح الباكر مهم للاستفادة بالأشعة فوق البنفسجية، وكذلك المشي قبل الغروب للاستفادة من الأشعة تحت الحمراء، والمشي في الصباح الباكر مفيد للهروب من تلوث الهواء وزيادة عوادم الأكاسيد الكربونية والكبريتية والآزوتية والرصاص والجزئيات العالقة في الهواء... ويكون الجو لطيفًا في الصيف في مثل هذا الوقت أو عندما يأتي الليل بعد العشاء حيث تخف درجة الحرارة ولا يكون العرق المتصبب كثيرًا، أما في الشتاء فإن رياضة المشي مستحبة في كل وقت ولاسيما قبل الغروب) (المصدر السابق، 23 - 24 بتصرفٍ).

ومن المهم (اختيار الملابس الملائمة لكل جو بحسب درجة الحرارة، وهي مهمة جدًّا عقب كل رحلة رياضية للمشي حتى لا يصاب الرياضي بالأنفلونزا أو أي أدوار للبرد، فمما هو معروف تمامًا أن ملابس الشتاء غير الملابس الصيفية) (المصدر السابق، ص 23 بتصرفٍ).

وينصح بشرب كوب من الماء قبل مغادرة المنزل إلى الطريق، ويراعى ألا تكون المعدة ممتلئة، أي: لا تمشي بعد تناول الإفطار، وغير مستحب المضي بعد الأكل مباشرة، فكل الدم يتجه إلى المعدة لتولي هضم الطعام، ولا يتوافر الدم الكافي للذهاب إلى باقي الأعضاء ليغذيها بالدم أثناء المشي.

وهناك علاقة بين المشي والسن والجنس والوزن (فالمشي للأصحاء يعتبر قمة النجاح، ولكن المشي لكبار السن ينبغي أن يكون بحساب حتى لا يتعرضوا للإجهاد، وكذلك لزائدي الوزن عليهم أن يراعوا الحركة وأثرها على مفاصلهم... والمرأة الحامل لها نظام خاص.. وهكذا...) (المصدر السابق، ص 25 بتصرفٍ).

قال الكاتب الصحفي إبراهيم حجازي في مقال له طويل تحت عنوان: (الرياضة التي نجهلها يا نواب الشعب) في جريدة الأهرام عدد الجمعة 15 أبريل 2016 م (ص 17 بتصرف يسير): (الرياضة كلمة نرددها دون أن نتوقف مرة للحظة للتعرف عليها! أغلبنا يقينه أن الرياضة هي (الكورة)، بتشجيعنا لها أصبحنا رياضيين... هذا اليقين أو هذا التصور لم يأتِ من فراغ؛ إنما مِن الأساس الخاطئ الذي أقيمت عليه الرياضة في بلدنا).

ويقول: (فكرة أن يمارس كل أطفالنا وكل شبابنا الرياضة لم تأتِ على ذهن حكوماتٍ كثيرةٍ متعاقبةٍ على مدى سنين طويلة مضت... لاعتقادهم أن الرياضة هي فقط للمنافسة... أي: قطاع البطولة الذي يبدأ بالمنافسات المحلية وينتهي بالمنافسات الإقليمية والدولية... إن كان هذا تفكيرهم فهو خاطئ تمامًا؛ لأنه أصلًا لن تكون هناك منافسة ما لم تكن هناك ممارسة بحق، عندما يمارس25 مليون طفل وطفلة، وفتاة وشاب الرياضة تكون تلك هي الممارسة بحق التي يشارك فيها كل أبناء الوطن لأجل لياقة بدنية وصحية تنعكس على إنتاج، وعلى صحة عامة وعلى أمن اجتماعي.

وتنعكس أيضًا على قطاع البطولة وإعداد المواهب المكتشفة كمًّا وكيفًا، نحن وحدنا الموجود عندنا قطاع بطولة: (خبط لزق)، (شعب أيه اللي يلعب رياضة)، (إحنا بتوع البطولات التي فيها الفلوس رايحة جاية) والمناصب (بالهبل)، ومَن لا يجد نفسه مديرًا فنيًّا بإمكانه أن يكون مديرًا إداريًّا!).

ويضيف: (إن ممارسة ملايين الأطفال للرياضة يكشف لنا مبكرًا عن المواهب في الرياضة، وبالمواهب يبدأ عمل قطاع البطولة، من الآخر لابد أن تكون ممارسة الرياضة إجباريًّا ومادة أساسية في المدرسة المصرية... الرياضة التي أقصدها هي النشاط الحركي الذي من شأنه عضلات ومفاصل، وأربطة وعامود فقري وقلب ورئتين.. أي: لياقة بدنية ولياقة صحية ولياقة نفسية، وكل هذا ينعكس إيجابيًّا على العمل والإنتاج والأسرة والمجتمع، وأيضًا أكبر تجمع بشري في الوطن (18 مليون نسمة) في مراحل سنية مبكرة من 6 سنوات وحتى 18 سنة تقريبًا، وهي أهم وأخطر مرحلة في عمر الإنسان؛ لأن السنوات الأولى هي التي تطبع الشخصية، وهي نفسها وما بعدها التي تحدد القدرات البدنية، إما تقدم مواطنًا صالحًا أو (أي حاجة).

(اقترحت منذ سنوات في هذا المكان وما زالت اقترح أن تعود الرياضة المدرسية المصرية، والرياضة التي أقصدها هي النشاط الحركي الذي هو برنامج متكامل للتمرينات البدنية من أولى ابتدائي وحتى الثانوية العامة)، (الرياضة بمفهومها الحقيقي لا بد أن تعود فورًا للمدرسة مادة نجاح ورسوب، وعودتها لا تتطلب ملاعب؛ لأن الطالب في أدائه للتمرين محتاج مساحة أرض تعادل طوله والمدرس سيشرح التمرينات عمليًّا في الفصل، والتلميذ يتدرب عليها في البيت).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة