الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الإدارة بالحب!

إن المدير الموفق هو الذي يفقه هذه المسألة من خصوصيات السلوك الإنساني

الإدارة بالحب!
صبحي فتحي الشلمة
السبت ١٢ سبتمبر ٢٠٢٠ - ١٨:١٠ م
523

الإدارة بالحب!

كتبه/ صبحي فتحي الشلمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

أيسر مفهوم للإدارة:

هناك مفهومان ميسران لمعنى الإدارة، وهما:

- تنفيذ الأعمال من خلال الآخرين.

- تحقيق الأهداف بأعلى كفاءة وأقل كلفة وأسرع وقت.

والسؤال الذي يناسِب الموضوع: هل للحب دور في جعل الآخرين ينجزون أعمالهم بأعلى كفاءة وأقل كلفة وأسرع وقت؟  

أولًا: الحب وإدارة شئون الأسر والبيوت:

هل يستطيع الرجل في بيته أن يدير أسرته بغير الحب؟

إذا قرر باني البيت ورب الأسرة أن يمارس منهج الحب في إدارة شئون البيت، فستحل مشاعر الرحمة والكرم والتربية الحميدة الفاضلة الناشئة عن قلب رحيم، يملؤه الحب والوفاء، وحب الخير والسعادة لأفراد أسرته الغالية؛ حينها ستتزاحم مشاعر الرضا في نفوس أفراد الأسرة، فتراهم يسارعون ويتسابقون في (مبادلة الحب بالحب) ردًّا للجميل، انطلاقًا من القاعدة القرآنية، والحقيقة الشرعية: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن:60)، وحينها يأمرهم فيستجيبون وينهاهم فيطيعون، بكل إخلاصٍ ومحبةٍ وتفانٍ.

لقد قضت المحبة على كثيرٍ مِن أسباب الشقاق والنزاع والانحراف بين أفراد العائلة، وساد عنصر التوجيه والترغيب بدلًا عن القسوة والترهيب في امتثال الأوامر واجتناب النواهي.

ثانيًا: الحب وإدارة المنظمات والمؤسسات والشركات:

تأملتُ كثيرًا خلال رحلتي مع علم الإدارة في عنصر مهم يجب على المدراء والمشرفين والمنفذين وسائر المتعاملين مع العنصر البشري مراعاته وتفهمه؛ لأنه سر من أسرار نجاح المدير والقائد في إدارة أفرادهم، وهذا العنصر مصب وخلاصة لكل تصرف أو فعل مقصود أو غير مقصود من المدراء والمشرفين، وهو أحيانًا لا يحتاج إلى أموال طائلة من أجل تحقيقه، فقد يتحقق بمجرد كلمات حانية أو لفتة مودة وحنان من المشرف؛ هذا العنصر أصل حماس العاملين لتحقيق الإنجاز المطلوب، وانعدامه أو ضعفه سيؤثر بطريقة مخيفة للغاية على إنتاجية العاملين؛ ذلك العنصر العجيب هو الذي يسمَّى في علم الإدارة: (بالرضا الوظيفي).

إنه الرضا عن المدير والإدارة، والمشرفين والمؤسسة؛ هذا الرضا هو الذي يجب أن يسعى المدراء لتغذيته باستمرارٍ والحذر مِن التلاعب به؛ لأنه سيسبب العنصر السلبي المقابل وهو (الإحباط).

إن الإحباط عكس الحماس الذي هو نتاج كثرة الرضا، وهو نتيجة من نتائج عدم الرضا، وإذا تمكن الإحباط من النفوس فلن تتحمس للقيام بأداء الإعمال بكفاءة أعلى وتكلفة اقل ووقت أسرع، وقد تنجز الأعمال، ولكن لا نضمن الكفاءة العالية والتكلفة القليلة والوقت الأقل.

إن المدير الموفق هو الذي يفقه هذه المسألة من خصوصيات السلوك الإنساني، فيتعامل بمسئولية عالية مع ذلك الرضا فينميه ويرعاه، فإذا به يجد فريقًا متآلفًا، وأعمالًا منجزة، وحينها يستطيع أن يراهن على الجودة العالية والإنتاجية المرتفعة، والتكلفة المنخفضة والوقت الأسرع، وبغير ذلك سيكون أصعب شيء عليه الوصول حتى إلى أقل النتائج المرضية.

معادلة مهمة:

رضا مع المزيد، والمزيد من الرضا سيؤدي إلى الحماس ثم الولاء الوظيفي (ويعني شدة الحب مع تعصب أحيانًا للمحبوب) وذلك يؤدي إلى التعاون، والذي يؤدي بدوره إلى التضحية والتفاني من أجل المؤسسة، فإذا بلغ العامل هذه المرحلة حينها يصير العمل بالنسبة له متعة وراحة وتسلية، وأولوية لا يفضل عليها شيء، ويقدمها على كل أحد، فيؤدي عمله كمهمة ورسالة، وليس مجرد وظيفة، وحينها ينسى وقته ويضحي بجزء من ماله ووقته من أجل المؤسسة التي رضي عنها وتولاها.

لعلكم اقتنعتم معي بأهمية الرضا الوظيفي في العملية الإدارية، وأنه أصل وأساس إنجاز الأعمال ومنشأ الرهان على الجودة والتكلفة المنخفضة، والسرعة والإنتاجية العالية.

هل تعلمون أن الرضا هو ثمرة من ثمرات الحب، إن الحب الحقيقي هو وحده الذي يحقق ذلك الرضا؛ ليس الحب المزيف ولا الأنظمة الجامدة والهياكل الجوفاء، ولا الإجراءات الإدارية ولا لوائح العقوبات الصارمة هي التي تصنع ذلك الرضا.

إذًا هل يصلح أن يكون الحب الذي استعرضنا بعضه منهجًا للإداريين والقادة أن يقودوا بذالك عمالهم وموظفيهم.

تأملوا هذا... ستجدون الجواب ظاهرًا كالشمس في رابعة النهار؛ إنه منهج وطريقة تصلح لأن تنجز فيها الأعمال بكفاءة عالية وتكلفة أقل ووقت أسرع، والذي سبق أن اتفقنا معكم أنها هي تعريف الإدارة.

الحب أعظم منهج مارسه النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه وأتباعه:

كل المؤمنين يعرفون أن الله وصف نبيه في كتابه الكريم بصفتين من صفاته، وهما: الرأفة والرحمة، قال -تعالى-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128)، وأدبه ربه بآدابٍ مهمةٍ هي الوسيلة المثلى في قيادة البشر، وهي قوله -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (آل عمران:159)، وكل مؤمن يعلم شدة محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وشدة حرصه على هدايتهم طمعًا منه في أن يرضى الله عنهم فيدخلهم الجنة.

كيف كانت الثمرة من ممارسة منهج الحب في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

هل كان لدى النبي -صلى الله عليه وسلم- لوائح ونظم أخضع الناس بها من أجل طاعته أم كان لديه حرس خاص وأعوان أقوياء يأطرون الناس على تلبية أوامره ونواهيه؟

كلا، لم يوجد هناك إلا أمران اثنان:

الأول: قيم حميدة سامية حملها القرآن الكريم فتشربها قلب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى فاضت على لسانه وجوارحه.

والثاني: قلب مملوء بحب الخير (كل الخير) حتى للمخالفين، حب حقيقي بلا تصنع ولا مجاملة ولا تزلف، وإنما منهج حياة يمارس على أرض الواقع، ويبذل للجميع بلا حدود إلا ما يغضب الله تعالى.

الثمرة:

أحبه الأعداء قبل الأصدقاء، كل مَن سمع به ورآه يحبه حبًّا عظيمًا، كلام آسر، قلب بالحب نابض، وجه مشرق محب دائم التبسم، رحيم، ودود.

خاتمة:

أيها المدراء، أيها المربون، أيها الآباء، أيتها الأمهات...

هذا هو شأن الحب، وهذا شانه العظيم في كيف يجعل الناس ينفذون كل ما تريدون بمحبة وطواعية، بل بشغف ورضا، نحن لا نمانع من استخدام الأنظمة واللوائح، لا ضير في ذلك، بل إنها من ضرورات العمل المؤسسي، ولا نمانع من استخدام الآلات والتقنيات الحديثة، بل هي بدهية من بديهيات المؤسسة العصرية، إن كل هذه تساهم في إنجاز الأعمال بوتيرة عالية، لكنها لا تمنح الحب والوفاء واحترام المشاعر والنفوس.

إن الذي يمنح كل ذلك هو أنتم.

أنت أيها الإنسان بما حباك الله من قدرة لا توجد لدى الأجهزة والمعدات، والأنظمة والقوانين؛ إنها بيدك أنت، وستكون رهن إشارتك وطوع بنانك، لكنها فقط ستنفعك متى ما قررت أن تمارس الحب في طريقة إدارتك للناس، حينها سيتحقق لك من انقياد الناس لك فوق ماكنت تتصور وتريد.

جربوا هذه الوصفة العجيبة، تنجحوا بإذن الله -تعالى- (منقول بتصرفٍ).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة