الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (70) الأوضاع المتردية للأندية الرياضية (1-2)

إن الهدف الرئيسي لهذه الأندية لا يصح أن يكون هو الكسب المادي، ولكن تربية الشباب وإعداده

الفساد (70) الأوضاع المتردية للأندية الرياضية (1-2)
علاء بكر
الخميس ٠١ أكتوبر ٢٠٢٠ - ٢٢:٣٢ م
399

الفساد (70) الأوضاع المتردية للأندية الرياضية (1-2)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتنتشر في أرجاء البلاد شمالًا وجنوبًا الكثير مِن الأندية الرياضية التي لها دور مهم من خلال أنشطتها المتعددة على المستوى الفردي والأسري والجماعي؛ حيث تمتد أنشطتها إلى جوانب أخرى: تربوية، واجتماعية، وثقافية وفكرية، إلى جانب دورها الرئيسي، وهو: دورها الرياضي؛ ففيها يلتقي الشباب من مختلف الأعمار فيتعارفون بصورة رسمية علنية تحت رعاية وإشراف مسئولين وإداريين ومربين، وتتكون من تعارفهم صداقات قوية تحظى بالقبول والتوجيه.

فتحفظ الأندية الشباب مِن الأفكار والممارسات السيئة من إلحادٍ وانحلالٍ ومجونٍ، كما أنها تبتعد بهم عن الانزلاق في الرذيلة والانضمام إلى التجمعات سيئة السمعة، وما فيها من منكرات؛ في مقدمتها: تناول المسكرات، وتعاطي المخدرات، وهي قبل ذلك وبعده تشغل وتملأ أوقات الفراغ لدى الشباب بما يعود عليهم وعلى الأمة بالنفع، مع اكتشاف الموهوبين وتنمية المواهب والقدرات المختلفة لديهم، إلى جانب التريبة البدنية السليمة وتحقيق التربية الأخلاقية القويمة.

ورغم ما قد يعتري هذه الأندية من نقص وما سنذكره من سلبيات -والنقص من طبيعة البشر-، فتبقى لهذه الأندية مساهمتها الملموسة والمشكورة، مع مطالبتها بتصحيح أحوالها، وتعديل مسارها، وتطوير نفسها لصالح المجتمع والأمة.

إن الهدف الرئيسي لهذه الأندية لا يصح أن يكون هو الكسب المادي، ولكن تربية الشباب وإعداده؛ ولهذا يحق لمَن يتولوا أمورها أن يكون لهم على ذلك أجور ومرتبات في حدود ما يقدمونه مِن تفرغٍ لها وجهدٍ فيها، والأولوية في تولي هذه الأندية لمن يجيدون شئون الإدارة وفنون التربية، وعندهم القدرة على تحمل المسئولية التي على عاتقهم وحسن تقدير لحجمها وشأنها، ولهم في ذلك احتراف وطهارة يد؛ إذ إنهم سيتحملون أمانة ومسئولية من الأهمية بمكان، ولا بأس أن تخصص لهذه الأندية ميزانيات تسمح باستمرار أنشطتها والحصول على ثمراتها المرجوة، وهذا يستدعي تعاونًا بين القائمين على هذه الأندية مع التحلي بالإخلاص في هذا العمل والبُعد عن الأحقاد والبغضاء، وكافة صور العداء والتنافر؛ خاصة وهم القدوة أولًا، والموجهون للمسيرة ثانيًا.

حسن إعداد اللوائح وكفاءة الإدارة:

ما زالت أنديتنا تعاني من أنها تدار من خلال نوعيات لا تملك مقومات ومواهب الإدارة، نوعيات تفرزها لوائح ونظام انتخابات قائمة مِن سنين طويلة؛ لوائح أفرزت قيادات فشلت في تحقيق ما يُراد منها، فهمها المصالح الشخصية، ويغلب عليها التعصب! وهي تملك أوراقًا لتضغط على الاتحادات الرياضية، وتوجيه قراراتها، ومعها وسائل إعلام خاصة بهذه الأندية مِن قنواتٍ وصحفٍ رياضيةٍ تؤازرها، ومِن خلفهم كُتاب في صحف قومية يناصرونها، وفي ظهرهم جماهير غفيرة بالملايين منقادة ومتحمسة، والصراعات تهدأ لتثور، وتختفي لتعود، والمعارك الكلامية العلنية قائمة لا تنتهي، وغضب وسباب وشتائم، وتبادل للاتهامات وبلاغات ومحاضر وشكاوي وقضايا أمام المحاكم لا نهاية لها بين الأندية وبعضها، وبين الأندية ولاعبيها، وبين مسئولين وأعضاء داخل النادي الواحد، وكلها طاقات مهدرة وسلبيات خطيرة ضررها بالغ، وفائدتها معدومة تؤكِّد أنه لا إدارة ولا رياضة.

ويا أسفا على شبابنا الممزق الحائر التائه بين الجميع، تجتذبه سفاسف الأمور لتكون شغله الشاغل، وهمه الكبير!

وإن نظرة سريعة على أوضاع إدارة لعبة كرة القدم، وهي اللعبة الرياضية الشعبية الأولى، ومعشوقة الملايين، والنظرة السريعة على كيف تدار أمورها في أكبر ناديين في مصر: (الأهلي والزمالك)، يعشقهما عشرات الملايين تؤكِّد أننا نعيش أوضاعًا في غاية المرارة والأسى!

قال الكاتب مصطفى عمار في عاموده: (منتهى الحرية) في الصفحة الأخيرة من جريدة (الفجر) في عدد الخميس 16 / 7/ 2020م: (أصبح الشارع الرياضي المصري محتقنًا لدرجةٍ كبيرةٍ؛ نتيجة الهجوم والتراشق المتبادل بين جماهير الأهلي والزمالك وبين قيادات الناديين، لن أحمِّل طرفًا المشكلة بالكامل على حساب طرفٍ آخر، جمهور الأهلي ومجلس إدارته يتعاملون دائمًا باستعلاء مع باقي أندية الدوري المصري)، و(جمهور الزمالك بعد سنوات طويلة من الصمت وجدوا ضالتهم في مجلس إدارة النادي ليدافع عنهم ويرد أي إساءة ضد النادي أو حتى محاولة خطف اللاعبين من قِبَل الغريم التقليدي. لم يتعود جمهور الأهلي أن يقف أمامه ناد أو جهة بكل هذه القوة، وهو ما جعل الأمور تتفاقم، وربما كانت العصبية الزائدة هي السبب في تطور الأمر، وربما تربص الإعلام الأهلاوي، والهجوم والسخرية هي السبب أيضًا. ولكن السؤال المهم: كيف نخرج من هذا الفخ اللعين؟!).

ومِن قبْله قال الكاتب إبراهيم حجازي في مقال له بعنوان: (مشكلتنا إدارة لا مدرب) في الأهرام عدد الجمعة 13 يوليو 2018 م (ص 17): (الذي يستطيعه اتحاد الكرة ويملك تطبيقه هو: إعادة صياغة لوائحه ونظام الانتخابات التي تفرز نوعيات لا تملك مقومات الإدارة! الذي يستطيعه اتحاد الكرة إعادة النظر كليًّا في نظام المسابقات لأجل أن يكون فعلًا وحقًّا لرفع مستوى الكرة. نظام الانتخابات القائم من سنين طويلة إفرازاته أغلبها فشل؛ ليس لأننا لا نملك مواهب إدارية، إنما لأننا أسرى لوائح تخطاها الزمن، وأظنها مسئولة عن المعاناة التي تعيشها الكرة المصرية من أسماء مستحيل أن تتولى المسئولية. إصلاح منظومة اللوائح أظنه الأهم؛ لأننا في حاجة لكفاءات إدارية قادرة على العطاء في منظومة الكرة. عندنا الخبرات القادرة على صناعة الفارق، القادرة على العمل لا اختلاق المشكلات، القادرة على العطاء لا المشتاقة للمصالح والمكاسب الشخصية! نريد لوائح تضمن منظومة عمل تعرف كيفية الاستفادة من خبرات هائلة نملكها).

وقال الكاتب في مقال آخر: (في عالم الإدارة القضية ليست وحدها ما تملكه، إنما في معرفة التفاصيل الدقيقة لكل ما تملك، والقدرة على تحقيق أقصى استفادة منها، بالمقدرة على الاستخدام الأمثل والتوظيف الدقيق لكل عناصر القوة التي تمتلكها).

وأضاف: (في عالم الكرة هذا الأمر يتفاوت من إدارة فنية لأخرى؛ إلا أن الجميع يجمعهم سياق واحد قائم على العلم لا الفهلوة، لا مكان فيه للمصالح والتربيطات والأضواء، وهذا ما نراه في الدول المتقدمة كرويًّا، وهو غير موجود عندنا، رغم أن كرة القدم في مصر تحظى بشعبية هائلة وتستنزف أموالًا طائلة؛ وعليه: في الغالب ليس الأقدر مَن يختار، ولا الأفضل مَن يتولى، ولا الأحسن مَن يلعب؛ لماذا؟! لأن الجمعية العمومية للنادي هي التي تنتخب مجلس الإدارة، تختار على أساس اجتماعي لا رياضي، مجلس الإدارة الذي جاء بامتيازاتٍ اجتماعيةٍ هو مَن يقوم بالتعاقد مع الأجهزة الفنية، وغالبًا خبراته لا تؤهله لذلك، لكنه بحكم المنصب أصبح هو المسئول وهو المتحكم، ومن هنا بدأت فصول الحكاية التي في الغالب تحكمها وتتحكم فيها الأهواء، والتي نعيشها منذ دخلت (الكورة) مصر) (الأهرام عدد الجمعة 10 نوفمبر 2017 م ص 17).

احتراف طبقوه ولا يقدرون على تنفيذه:

ذكرنا مِن قبْل أنه لا يجوز شرعًا اتخاذ كرة القدم حرفة يُتكسب منها، ولا يجوز شرعًا أخذ الأموال من مسابقاتها ومبارياتها، ومع ذلك فقد أبى القائمون على شئون كرة القدم عليها إلا تطبيق نظام الاحتراف، وألزمت به الأندية الرياضية في مصر وورطتهم فيه.

قال الكاتب إبراهيم حجازي في مقال له بعنوان: (علامات القيامة الكروية: عقد لاعب أكبر من ميزانية نادٍ): (المشكلة أننا أصلًا في ورطة منذ دخولنا عالم الاحتراف الكروي، ونحن لا نملك المقومات الأساسية لتلك الصناعة المعروفة باسم: الاحتراف! تصورنا -أو ضحكنا على أنفسنا- عندما صدقنا أن الاحتراف وصل عندنا بمجرد أن عملنا عقودًا للاعبين، وأصبحوا يقبضون مقابل هذه العقود التي لها مدة، ولا بد من عقدٍ جديدٍ للاعب إذا تم بيعه أو تجديد العقد إن استمر في ناديه، وفي الحالتين مطلوب من النادي ميزانية تغطي هذه الزيادة الهائلة التي طرأت على ميزانيته!

هذا المطلوب يستحيل على الأندية المصرية تحقيقه؛ لأنها ما زالت على قديمه؛ أندية هاوية غير محترفة، أي: أنها بتركيبها والقانون الذي يحكمها، ونظام انتخاباتها أندية اجتماعية رياضية، وليست أندية رياضية محترفة في لعبة واحدة هي الكرة، مجالس إدارتها محترفة ومتخصصة في صناعة اسمها: كرة القدم، وهي أحد أهم وأكبر وأغنى المشروعات الاقتصادية في العالم، حيث تدور فيها آلاف المليارات من الدولارات.

عالم الاحتراف هذا أنديتنا لا تعرف عنه شيئًا، ولا هي مؤهلة له، ومع هذا وجدت نفسها مسئولة عن لاعبين محترفين، وأجهزة فنية وإدارية وطبية، كلهم محترفون متفرغون و(إيه) في عدد كبير من اللعبات وليس الكرة وحدها. والأهلي والزمالك بهما قرابة الـ30 لعبة رياضية، كل لعبة رجال وسيدات، والكل محترف والكل بعقود، والكل له رواتب أول الشهر! الأندية المصرية في ورطة من أول يوم احتراف؛ لأنها بقيت على حالها، وكان حتميًّا أن تكون هي الأخرى محترفة وتتحول إلى شركات مساهمة، وهذا لم يحدث، وأغلب ظني لن يحدث، وتلك مشكلة صعبة جدًّا تعاني منها الأندية).

وأضاف: (في تقديري الأندية الكروية المصرية وضعها صعب ويزداد صعوبة؛ لأن الجهات المعنية بحل مشكلاتها هي التي صنعت لها المشكلات ووقفت تتفرج عليها بدلا من حلها! تم إجبار الأندية على قبول الاحتراف بدون تغيير هويتها ولوائحها لمواجهة متطلبات الاحتراف، الأندية تعاني هذا الخلل من قرابة العشرين سنة، وأحد لم يسأل فيها أوعنها، وهذا يجعلني أتوقع أن اتحاد الكرة هو الآخر لن يتحرك في كارثة انفلات سوق انتقالات اللاعبين! وعليه: على الأندية أن تتحرك هي وتبحث عن سبل مواجهة هذا الانفلات) (الأهرام عدد الجمعة 14 ديسمبر 2018 م: ص 17).

اللاعبون تحركهم مصالحهم:

في ظل الهواية كان انتماء اللاعب الأكبر لناديه وجماهير ناديه، وكان من الصعب جدًّا على نفس اللاعب الذي بدأ في نادٍ أن يتركه ليلعب لفريق آخر، وما وقع من انتقال بعض اللاعبين من فريق إلى آخر كان قليلًا جدًّا وعلى وجه الاستثناء لا العموم، كالانتقال من نادٍ أقل شعبية إلي نادي أكثر شعبية كالأهلي أو الزمالك، أو لتغيير اللاعب لمكان سكنه وإقامته لظروف عمله ونحو ذلك، وكانت الإغراءات بسيطة ومتواضعة نسبيًّا، فـ(الضيظوي) مثلًا انتقل عام 1956م من النادي المصري البورسعيدي إلى النادي الأهلي، فكان انتقاله سببًا لعودة تألقه في الملاعب مِن جديدٍ، حيث كان عمره وقتها نحو 29 عامًا، وكان على وشك الاعتزال، وقد تم الانتقال مقابل خمسمائة جنيه وهو أكبر مبلغ حصل عليه لاعب في ذلك الوقت، وقد عاد مرة أخرى إلى ناديه المصري لينهي فيه حياته الكروية (راجع في ذلك: "لعبة الحروف وكرة القدم"، تأليف: حسن فارس، توزيع وكالة الأهرام ط. أولى 1414 هـ -1994م، ص 153)، وكان من النادر أن يحترف لاعب مصري خارج مصر، ومن أشهر الأمثلة على ذلك: احتراف اللاعب صالح سليم في نادي (جراتز) النمساوي عام 1962 م (راجع المصدر السابق، ص 149).

وفي ظل الاحتراف تغيرت الأوضاع، فصار انتماء اللاعب لنفسه أكثر مِن انتمائه لفريقه ولجماهير فريقه، وبدأ هذا التغير بمبالغ تعد بحسابات اليوم قليلة، وكانت في وقتها تعد كبيرة جدًّا.

ومن الأمثلة على ذلك: انتقال اللاعب رضا عبد العال مِن نادي الزمالك إلى النادي الأهلي، وهو الانتقال الذي شغل جماهير الكرة في صيف عام 1993م، في مقابل مبلغ تعدى النصف مليون جنيه بقليل (راجع المصدر السابق، ص 108).

 أما الآن فصار اللاعب يبدأ حياته الكروية في نادٍ لينتقل عند تألقه إلى نادٍ ثانٍ أعلى، ثم ثالث ورابع لينهي حياته الكروية في نادٍ أقل عند تأخره، وأصبح المال والشهرة غاية كل لاعب، وتقليد هؤلاء حلم كل رياضي؛ هذا إلى جانب قيام العديد من اللاعبين المصريين بالاحتراف خارج مصر خاصة في أوروبا حيث المال الكثير والشهرة العالمية، وهو الحلم الذي صار يداعب كل لاعب كرة مصري، ولو بالهرب من ناديه المصري بوسائل ملتوية أو غير قانونية.

من (إتو) إلى (جدو):

وهذه قصة طريفة وقعت في فترة زمنية واحدة حيث امتنع لاعب الكاميرون (صمويل إتو) وزملاؤه المحترفون معه في أوروبا عن اللعب مع منتخب بلادهم قبل حصولهم على مستحقات مالية اشترطوها، وهذا يعد كمثالٍ صارخٍ يعبِّر عن انتماء اللاعب المحترف لنفسه قبل ناديه أو منتخب بلاده.

وفي نفس الفترة الزمنية وقَّع لاعب نادي الاتحاد السكندري محمد ناجي المعروف باسم (جدو) على عقود لثلاثة أندية في فترات متقاربة؛ إذ كان يلعب ضمن لاعبي فريق الاتحاد وله معه عقد، ولتألقه ضمه المدير الفني لمنتخب مصر إلى لاعبي المنتخب المصري، و سرعان ما تم إغراؤه لتوقيع عقدٍ جديدٍ مع نادي الزمالك قبل بطولة الأمم الإفريقية، وبعد تألقه الشديد مع منتخب مصر في البطولة كهدافٍ متميزٍ تم إغراؤه بعد البطولة لتوقيع عقدٍ جديدٍ، ولكن مع النادي الأهلي، وبانكشاف الأمر -وكان لا بد أن ينكشف- تحول الموضوع إلى أزمةٍ كرويةٍ شغلت الجماهير لفترة، وبدلًا من حسم القضية لمنع تكرارها، استقر اللاعب بعد شدٍّ وجذبٍ في النادي الأهلي، وبعد عدة سنوات بعد أن خفت تألقه تركه النادي الأهلي لينتقل من نادٍ جديدٍ إلى آخر. ففي ظل هذا الاحتراف الفاشل، أصبح للاعب المتميز وضعه الذي يتحكم به في الأحوال داخل ناديه وخارجه كما أن الأندية الكبيرة تتحكم في أحوال اتحاد الكرة!

التستر على عقود اللاعبين:

تتعمد إدارات الأندية تسجيل عقود اللاعبين المحترفين والمدربين بأقل بكثيرٍ مما تقاضوه بالفعل، ترضية للاعبين وإخفاء لحقيقة تعاقدهم عن زملائهم، وللتهرب من دفع الضرائب على المبالغ الفعلية التي أخذوها، فلاعب شهير تقاضي 40 مليون جنيه وكتب في عقده أنه تقاضى 9 مليون جنيه! هذا بخلاف ما يُؤخذ مِن رجال الأعمال أو بعض شيوخ دول الخليج مقابل الموافقة على الانتقال من نادٍ إلى آخر، ولا يعلن عنه، ولا يسجَّل. (راجع في ذلك جريدة (فيتو) عدد 15 يناير 2019م مقال: (زغلول صيام يفتح الملف الشائك: إدارات الأندية توفر غطاءً شرعيًّا لتهرب لاعبيها من دفع الضرائب)، ص 10).

التعصب للأندية:

 كتب الصحفي إبراهيم حجازي في مقال بعنوان: (فضوها سيرة إلى أن نعرف (يعني إيه) رياضة!) يقول: (زمان وقت كان الانتماء هو الأساس، سواء انتماء اللاعب أو انتماء الجماهير، الآن في زمن الاحتراف أصبح انتماء اللاعب للجنيه ولمن يدفع أكثر! زمان وقت كان انتماء الجماهير قائمًا وموجودًا كانت جماهير أي نادٍ هي الحرس الحديدي للتقاليد والأخلاق والمبادئ! الجماهير هي التي يعمل لها اللاعب ألف حساب فيما لو فكر أن يلعب بذيله ويريد أن يتمتع بنجوميته وشهرته، ويسهر ويشرب ويتمتع، ويسلك الطريق الآخر الذي مَن يدخله مفقود والخارج منه منتهي الصلاحية! وقتها كانت الجماهير في المباريات عينها على مَن يخرج عن النظام والالتزام، ومع لعبة خطأ تزوم عليه، رسالة منها للاعب أنها لن تقبل سلوكياتك الخاطئة، وليس أمامك إلا أن تعود لصوابك داخل وخارج الملعب.

في عصر التعصب تحولت الكرة كرياضة وتنافس إلى كراهية وبغض وصراع، والحرس الذي كان حديديًّا للحفاظ على القيم والمبادئ، وسلطة رقابة على اللاعبين؛ أصبح هو القوة الأساسية للتعصب، والتعصب بطبيعته انحياز أعمى على طول الخط لناديه ولاعبيه، ظالمين ومظلومين! هو على طول الخط لا يرى عيوبًا ولا يرى أخطاءً، وهو متعصب للاعبيه حتى وإن أخطأوا في حق أنفسهم وحق ناديهم! الكرة المصرية باجتياح التعصب صفوف جماهيرها فقدت أكبر سلطة رقابية يعمل لها أي لاعب كرة ألف حساب! مَن لا يصدقني فليلقِ نظرة على التواصل الاجتماعي، وسوف يجد آراء هي عين التعصب! آراء تدافع عن أسوأ سقطة أخلاقية للاعب أمام عشرات الآلاف، وكاميرات التلفزيون والصحافة! كيف نتوقع أن ينصلح حال الكرة المصرية والخطأ الفاحش يجد مَن يدافعون عنه ويبررون لصاحبه خطيئته، والمصيبة الكبرى أن مَن يدافع ويبرر مقتنع بصحة رأيه، مثلما هو مقتنع بأن لاعبه لم يخطئ وإن حدث منه ما لا يقصد! إنه عصر التعصب الذي تركناه يتملك مِن شارع (الكورة) إلى أن أصبح أكبر خطر على الكرة. القانون والقانون وحده إن وجد المنظومة الكروية التي تطبقه هو السبيل الوحيد لوقف هذا التردي، لأجل بداية الإصلاح الذي نقدر عليه فيما لو امتلكنا بجد الإرادة).

 مسئوليات الأندية فوق طاقاتها:

في غياب الممارسة الفعلية للرياضة في المدارس ومراكز الشباب والساحات الشعبية، نجد كثيرًا مِن الشباب لا يمارس الرياضة، وبالتالي لا يتم اكتشاف أي مواهب جديدة في الألعاب المختلفة، ليقع العبء الأكبر في ممارسة الشباب للرياضة واكتشاف الموهوبين والاعتناء بهم على الأندية وحدها، وهي مسئوليات لا تستطيع الأندية مع محدودية أعدادها وقلة ملاعبها وضعف إمكانياتها أن تتولى القيام بها في ظل وجود عشرات الملايين من الشباب في مختلف الأعمار.

قال الكاتب إبراهيم حجازي في مقالٍ له: (هذه القضية أعرضها منذ سنين طويلة دون أدنى استجابة من الأندية واتحاد الكرة، وما زلتُ أكتب فيها، وإن كان في العمر بقية لن أتوقف عن الكتابة فيها، لسببٍ واحدٍ مقتنع أنا به، وهو: أننا نملك العنصر الأهم في صناعة نجوم الكرة، أصحاب المستويات العالمية، نملك المواهب التي تصنع نجومًا عالمية، والمشكلة أننا لم نرَ أغلبها؛ لأنها أصلًا لم تلعب كرة؛ لأنها لم تجد مساحة الأرض التي تلعب عليها؛ أما المصيبة الأكبر فهي: أن المواهب القليلة التي اكتشفناها أهملناها؛ لأننا مِن الأصل لا نعرف شيئًا عن خطط إعداد الناشئين فنيًّا وبدنيًّا وثقافيًّا، لا نعرف أن لها خطط إعداد لا تقل عن خمس سنين متصلة، مفترض أنها تقدم لنا الناشئ الذي في سن الـ17 سنة جاهزًا لأن يكون لاعبًا دوليًّا في منتخب وطنه، وليس فقط في الفريق الأول لأي نادٍ) (الأهرام عدد الجمعة 7 فبراير 2020م، ص 17).

وأضاف: (أول هام: نحن لا توجد عندنا قاعدة ممارسة تتناسب وعدد أطفالنا في السن الصغيرة، عندنا في عمر العاشرة وما حولها قرابة الـ 15 مليون طفل، مَن يمارس الكرة منهم خمسة أو ستة آلاف، وبقية الـ15 مليون لا يلعبون الكرة ولا غير الكرة؛ لأنهم ليسوا أعضاءً في أندية أو مركز شباب، وحتى الأعضاء منهم فرصة اللعب المتاحة أمامهم صعبة؛ لأن ملاعب الأندية ضاقت على أعضاء الأندية وأبنائهم؛ ولأن الملعب الموجود في مركز الشباب وصلت ساعة الإيجار فيه إلى 100 و150 و200 و250 جنيهًا، وهذا المبلغ يفوق قدرات مَن نريدهم أن يمارسوا الكرة، الأطفال في سن العاشرة).

وأضاف: (الأصل في مهمة النادي: البحث عن المواهب، وليس انتظار أن تأتي المواهب إليه، وحتى إن جاءت، نظام اختبارات الناشئين في الأندية تحولت إلى سبوبة واستمارة بفلوس، وحلم يراود آلاف الصغار وأهاليهم بأن يكونوا نجوم الكرة، وقناعة لا تقبل أي شك أن الاختبارات تحقق الحلم، والحقيقة: أن الاختبارات تحولت إلى كيفية اختبار أكبر عددٍ من الصغار للحصول على العائد المادي من ثمن أكبر عائد من الاستمارات.

اكتشاف الموهبة مستحيل في تقسيمة وقتها ربما لا يسمح للطفل الموهوب أن يلمس الكرة وحتى إن لمسها، أي عبقرية تلك عند السادة المدربين ليعرفوا مِن لمسة أن هذا الطفل موهوب، الذي يحدث مسخرة تتم تحت سمع وبصر الجميع، والكل غير مهتم؛ لأن الحدوتة كلها -حدوتة الناشئين- ليستْ على بال مخلوقٍ في شارع الكرة!

في تقديري: إصلاح هذه المنظومة صعب إن لم يكن مستحيلًا ما بقيت الأندية وحدها تتحمل مسئولية الناشئين، لماذا؟! لأن هذه المسئولية هي في الواقع أكبر بكثيرٍ مِن قدرات القطاع الأهلي بأكمله؛ أندية واتحادات، ولا بد مِن وجود الدولة فيما يخص قطاعات الناشئين لضمان الارتقاء بالرياضة المصرية إلى المستويات العالمية) (جريدة الأهرام - عدد الجمعة 7 فبراير 2020 م، ص 17).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة