الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هكذا رفعهم!

هكذا رفعهم!
محمد خلف
الأربعاء ١٨ نوفمبر ٢٠٢٠ - ٠٩:٥٤ ص
476

هكذا رفعهم!

كتبه/ محمد خلف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالقرآن كلام الله -عز وجل-، وشرف ومكانة الكلام يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمَن تكلم به، ومَن أعظم منه -سبحانه وبحمده-؛ فهو العلي العظيم ذو الجلال والإكرام، وقد نوَّه -سبحانه وبحمده- بعلو قدره بقسمه عليه فقال سبحانه وبحمده: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْر) (ص:1)، أي: القرآن ذو الشرف والقدر العظيم، المذكِّر للناس بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، المشرِّف والمكرِّم لمَن تذكر به واهتدى بهدايته، ولم يزل تكريمه لهم متصلًا مستديمًا في الدنيا وفي الآخرة؛ فأهل القرآن العاملون به المتخلقون بأخلاقه هم أهل الله وخاصته كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: (هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

قال المناوي -رحمه الله-: "أي: حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله المختصون به اختصاص أهل الإنسان به، سُموا بذلك تعظيمًا لهم كما يقال: بيت الله".

ومِن شرفه: أن جعل من إجلال الله الله تكريم وتبجيل حامل القران العامل به غير الغالي فيه وغير المعرض عن قراءته والعمل به، ولا عجب؛ فهم أهل الله وخاصته كما في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

وانظر إلى إكرامه لأهله كيف رفعهم وأعلى شأنهم كما في صحيح مسلم أنَّ نَافِعَ بنَ عبدِ الحَارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ بعُسْفَانَ، وَكانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ علَى مَكَّةَ، فَقالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ علَى أَهْلِ الوَادِي، فَقالَ ابْنَ أَبْزَى. قالَ: وَمَنِ ابنُ أَبْزَى؟ قالَ: مَوْلًى مِن مَوَالِينَا. قالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عليهم مَوْلًى؟ قالَ: إنَّه قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وإنَّه عَالِمٌ بالفَرَائِضِ، قالَ عُمَرُ: أَما إنَّ نَبِيَّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- قدْ قالَ: (إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ)، فأقره عمر -رضي الله عنه- على اختياره، وعلل ذلك بأن حمله لكتاب الله -تعالى- هو الذي رفعه ووصل به إلى ما وصل من مكانة.

وانظر إلى تشريفه وتكريمه لهم، ويا لها من منقبة قلَّ مَن يصل إليها فهم درجات، ومِن هؤلاء الذي رفعوا إلى أعلى المراتب أبي بن كعب -رضي الله عنه- سيد القراء العالم العامل -رضي الله عنه- كما في  صحيح مسلم عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: (إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (البينة:1))، قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ : فَبَكَى.

ولا يترك القرآن صاحبه بعد موته، بل ينقله لنوع آخر من التكريم والتبجيل والسبق، فكما سبق وارتقى به في الدنيا يقدِّمه ويسبق به حتى عند دفنه كما في الحديث عن جابر -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- كانَ يجمَعُ بينَ الرَّجلينِ مِن قتلَى أُحُدٍ في الثَّوبِ الواحدِ، ويقدِّم أكثرهم حِفظًا للقرآنِ في اللَّحدِ.

وفي الآخرة شرفهم بأعلى المنازل مع الملائكة الكرام، فعن عائشة -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، والذي يقرأ الْقُرْآنَ، وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ) (رواه مسلم).

قال القاضي: "يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقًا للملائكة السفرة؛ لاتصافه بصفتهم من حَمْل كتاب الله -تعالى-".

ويتعدى الإكرام والتبجيل والتشريف للوالدين: فأهل القران لا يَشقى بهم جليسهم؛ فكيف بوالديهم؟! كما في الحديث عن بريدة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلً) (رواه أحمد بإسنادٍ حسنٍ).

ولا يزال يرتفع ويعلو به في درجات الجنة كما في الحديث: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) (رواه أبو داود والترمذي، وقال الألباني: "حسن صحيح").

فهنيئًا لكم أيها الحافِظون العامِلون شرف الدنيا والآخرة، جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة