الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (5)

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في صباه يلعب مع الصبيان

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (5)
عصام حسنين
الاثنين ٢١ ديسمبر ٢٠٢٠ - ١٦:٣١ م
420

التربية الاجتماعية في مرحلة الطفولة (5)

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد تكلمنا -فيما سبق- عن أُسين من أسس التربية الاجتماعية التي جاءت عنه -صلى الله عليه وسلم-، وهما: اصطحاب الطفل إلى المسجد، واصطحاب الطفل إلى مجلس الكبار، ونستكمل في هذا المقال -إن شاء الله- بقية هذه الأسس.

الأساس الثالث: تعويد الطفل سنة السَّلَام:

- السلام هو تحية الإسلام، وهو خير التحية، وهو تحية الله لأهل الجنة، وتحية الملائكة لهم، وتحيتهم فيما بينهم، وهي دعاء، ومعناها: الأمان مِن الله لكم ورحمته عليكم وبركاته. وفيها ثواب عظيم؛ فعن عمران بن الحصين- رضي الله عنهما- قال‏: ‏جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَشْرٌ) ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: (عِشْرُونَ) ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ، فَقَالَ: (ثَلَاثُون) ‏‏‏(‏رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني‏‏‏)‏‏.

‏وهو مفتاح الكلام مع الناس، وفيه إشاعة للمودة والرحمة بين أفراد المجتمع؛ فيُعلّم الطفل أنه إذا مرَّ على مجلس قوم ألقى عليهم السلام، وإذا حيّاه أحد بتحية ردَّ بأحسن منها، فعن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ) (متفق عليه)، وفي رواية: (وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِير) (متفق عليه).  

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِف) (متفق عليه).  ‏

- ويكون هذا بالتطبيق العملي من الأب، فإذا مرَّ على أحد ألقى عليه السلام، وبذلك يتعلم الطفل من أبيه سنة السلام.

- ومن السنة الغائبة: السلام على الأطفال الصغار؛ فعن أنس -رضي الله عنه- أنه مرَّ على صبيان فسلّم عليهم، ثم قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ" (رواه البخارى)، وفي رواية: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يزور الأنصار، فيُسلِّم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم، ويدعو لهم. قال ابن بطال -رحمه الله-: "في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة".

- ويُعلّم إذا دخل على والديه أن يُسلِّم؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

وإذا كان السلام يجعل الألفة بين أفراد المجتمع؛ فأولى وأجدر أن يجعلها في البيت الذي يشيع فيه السلام، وأنعم بها وسيلة تُدرّب الطفل علي الاندماج في المجتمع بسهولة ويسر.

- الأساس الرابع: عيادة الطفل إذا مرض:

عن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ: أَسلِم. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَه: (أَطِع أَبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-)، فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: (الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ) (رواه البخاري).

فيا له مِن إحسان عظيم منه -صلى الله عليه وسلم- ولين جانب، وحرص علي هداية الناس، كانت نتيجته أن أنقذ الله هذا الغلام اليهودي من النار برسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحمد لله.

- ونتعلم منه زيارة الكبير للصغير؛ لا سيما وأن في هذه الزيارة تخفيفًا من آلامه، وتقوية لهذا الحقّ الأخوي الذى عظّمه الإسلام عند الطفل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق المسلم على المسلم: (وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ) (رواه مسلم).

ومن العمل الحَسَن: اتفاق الوالد مع بعض أصدقائه الفضلاء لزيارة طفله إذا مرض، واصطحاب طفله معه عند زيارة مريض؛ فيتعلم هذا الحق الاجتماعي بالقدوة.

- الأساس الخامس: اختيار الطفل أصدقاءً له من الأطفال:

- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في صباه يلعب مع الصبيان؛ فقد جاء في خبر شق صدره -صلى الله عليه وسلم- أن أخاه من الرضاعة -وهو مسترضع في بني سعد- جاء يجرى إلى أبويه يقول: "ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه فشقا بطنه، فهما يسوطانه" (أي: يضربان بعضه ببعض ويحركانه) (تهذيب سيرة ابن هشام).

- وكان -صلى الله عليه وسلم- يمر على الصبيان وهم يلعبون؛ فعن يعلى العامري -رضي الله عنه- أنه خرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى طعام دُعوا إليه، فإذا حسين مع غلمان يلعب في السِّكَّة (الطريق)، قال: فتقدَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام القوم وبسط يديه، فجعل الغلامُ يفِرُّ هاهُنا وَهاهُنا، ويضاحِكُه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتَّى أخذه (أمسكه)، فجعل إحدى يديه تحت ذقنِه والأخرى في فأس (وسط) رأسه فقبَّلَه وقال: (حُسَيْن منِّي، وأَنا من حُسَيْن، أحبّ اللَّه من أحبَّ حُسَيْنًا) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

وهذه سنة اجتماعية ثابتة؛ لأن الإنسان كائن اجتماعي، لابد له مِن اجتماعه بغيره؛ لذلك فعلى الوالدين أن يُحسنا اختيار صحبة ولدهما، وإن وُفقا في ذلك؛ فقد وُفقا للخير؛ لأن المرء على دين خليله، أي: على عادته وطريقته، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).

ومِن هذا الحديث الشريف نأخذ -أيضًا-: صفة الصديق الصالح المناسب لأطفالنا؛ فلابد أن يكون على عادته وطريقته، فكل إلف يميل إلي إلفه، والطيور في جو السماء على أشكالها تقع،

وهذا سيكون من خلال المسجد، ومكتب تحفيظ القرآن، فيتخذ صاحبًا له في حفظ القرآن وطلب العلم، ويتعاون معه علي ذلك، وأن يكون من أسرة محافظة مشابهة في التربية والاهتمام؛ فالولد ينشأ على ما عوّده أبواه، وكذلك الأم تفعل مع ابنتها.

- ومن الأهمية بمكان أن يهيئ لهم وسائل اللعب واللهو المباح، فاللعب ربيع الطفولة، وفيه تدريب عملي علي الروابط الاجتماعية.

وهنا تنبيه مهم: قبل أن يبحث الأب عن الصديق لطفله، لابد وأن يكون صديقًا وفيًّا له، يقوم تجاهه بواجبين: واجب الأبوة، وواجب الصداقة فيتصابي له، ويلعب معه، وهذا مع الأيام سيسهل من مهمة التربية والتوجيه في كل مرحلة عمرية يمر بها الطفل، وكذلك الأم تفعل مع ابنتها، مع الدعاء بالصلاح؛ فإنه مِن الله -تعالى-. والله المستعان.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً